للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً، أَوْ جَوَاهِرَ، لَمْ يُقْطَعْ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَفَنٍ مَشْرُوعٍ، فَتَرْكُهُ فِيهِ سَفَهٌ وَتَضْيِيعٌ، فَلَا يَكُونُ مُحْرَزًا، وَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ.

[فَصْلٌ هَلْ يُفْتَقَرُ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ إلَى الْمُطَالَبَةِ]

(٧٢٩٧) (فَصْلٌ) : وَهَلْ يُفْتَقَرُ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ إلَى الْمُطَالَبَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: يُفْتَقَرُ إلَى الْمُطَالَبَةِ كَسَائِرِ الْمَسْرُوقَاتِ. فَعَلَى هَذَا الْمُطَالِبُ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي حُقُوقِهِ. وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ. وَالثَّانِي: لَا يُفْتَقَرُ إلَى طَلَبٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ فِي السَّرِقَةِ مِنْ الْأَحْيَاءِ شُرِعَ لِئَلَّا يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَمْلُوكًا لِلسَّارِقِ وَقَدْ يُئِسَ مِنْ ذَلِكَ هَاهُنَا.

[مَسْأَلَةٌ الْقَطْعُ فِي سَرِقَةِ الْمُحَرَّمِ أَوْ آلَةِ اللَّهْوِ]

(٧٢٩٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَلَا يُقْطَعُ فِي مُحَرَّمٍ، وَلَا فِي آلَةِ لَهْوٍ) . يَعْنِي لَا يُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ مُحَرَّمٍ؛ كَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ سَرَقَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ سَارِقَ خَمْرِ الذِّمِّيِّ يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُمْ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَهُمْ.

وَلَنَا أَنَّهَا عَيْنٌ مُحَرَّمَةٌ، فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهَا، كَالْخِنْزِيرِ؛ وَلِأَنَّ مَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ، لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ، كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يُنْتَقَضُ بِالْخِنْزِيرِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ دُونَ أَحْكَامِهِمْ. وَهَكَذَا الْخِلَافُ مَعَهُ فِي الصَّلِيبِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مَعَ تَأْلِيفِهِ نِصَابًا. وَأَمَّا آلَةُ اللَّهْوِ كَالطُّنْبُورِ، وَالْمِزْمَارِ، وَالشَّبَّابَةِ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ، وَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مُفَصَّلًا نِصَابًا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ زَوَالِ تَأْلِيفِهِ نِصَابًا، فَفِيهِ الْقَطْعُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ، لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقَطْعِ، فَوَجَبَ قَطْعُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَهَبًا مَكْسُورًا.

وَلَنَا أَنَّهُ آلَةٌ لِلْمَعْصِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ، كَالْخَمْرِ؛ وَلِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي أَخْذِهَا لِكَسْرِهَا، فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً مَانِعَةً مِنْ الْقَطْعِ، كَاسْتِحْقَاقِهِ مَالَ وَلَدِهِ. فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا، فَلَا قَطْعَ فِيهِ أَيْضًا، فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْخَشَبَ وَالْأَوْتَارَ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ الْقَطْعُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُنْفَرِدَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>