للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخُصُّ الْكَثِيرَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْيَسِيرُ مِثْلَ دَرَجَةِ الْمِنْبَرِ وَنَحْوِهَا، لِمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ سَهْلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(١١٦١) فَصْلٌ: فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ فِي مَكَان أَعْلَى مِنْ الْمَأْمُومِينَ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَبْطُلُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ عَمَّارًا أَتَمَّ صَلَاتَهُ؛ وَلَوْ كَانَتْ فَاسِدَةً، لَاسْتَأْنَفَهَا، وَلِأَنَّ النَّهْيَ مُعَلَّلٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ رَفْعِ الْبَصَرِ فِي الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لَا يُفْسِدُهَا، فَسَبَبُهُ أَوْلَى. (١١٦٢) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ مَنْ هُوَ مُسَاوٍ لَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ، وَمَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ اخْتَصَّتْ الْكَرَاهَةُ بِمَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى وُجِدَ فِيهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ النَّهْيُ الْإِمَامَ؛ لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْ الْقِيَامِ فِي مَكَان أَعْلَى مِنْ مَقَامِهِمْ، فَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ عِنْدَ مَنْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِارْتِكَابِ النَّهْيِ.

[مَسْأَلَةٌ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ أَوْ قَامَ بِجَنْبِ الْإِمَامِ عَنْ يَسَارِهِ أَعَادَ الصَّلَاةَ]

(١١٦٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، أَوْ قَامَ بِجَنْبِ الْإِمَامِ عَنْ يَسَارِهِ، أَعَادَ الصَّلَاةَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ رَكْعَةً كَامِلَةً، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِعَادَةِ، وَلِأَنَّهُ مَوْقِفٌ لِلْمَرْأَةِ فَكَانَ مَوْقِفًا لِلرَّجُلِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ. وَلَنَا، مَا رَوَى وَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ وَابِصَةَ حَسَنٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَّتَ الْحَدِيثَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَفِي لَفْظٍ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ صَلَّى وَرَاءُ الصُّفُوفِ وَحْدَهُ. قَالَ: يُعِيدُ» . رَوَاهُ تَمَّامٌ فِي " الْفَوَائِدِ ". وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ، أَنَّهُ «صَلَّى بِهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْصَرَفَ وَرَجُلٌ فَرْدٌ خَلْفَ الصَّفِّ، فَوَقَفَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى انْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَقْبِلْ صَلَاتَك، وَلَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ.» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَقَالَ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: حَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو - يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا أَيْضًا - حَسَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَوْقِفَ، فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ وَقَفَ أَمَامَ الْإِمَامِ، فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَاهُ فَقَالَ: " لَا تُعِدْ ".

وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَعُذْرُهُ فِيمَا فَعَلَهُ لِجَهْلِهِ بِتَحْرِيمِهِ، وَلِلْجَهْلِ تَأْثِيرٌ فِي الْعَفْوِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَوْقِفًا لِلْمَرْأَةِ كَوْنُهُ مَوْقِفًا لِلرَّجُلِ، بِدَلِيلِ اخْتِلَافِهِمَا فِي كَرَاهِيَةِ الْوُقُوفِ وَاسْتِحْبَابِهِ. وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَحَدٌ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>