الْحَدُّ، بِقَوْلِهِ: يَا لُوطِيُّ. وَلَا يُسْمَعُ تَفْسِيرُهُ بِمَا يُحِيلُ الْقَذْفَ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَنَحْوُهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ. وَنَحْوُ هَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ. قَالَ الْحَسَنُ: إذَا قَالَ: نَوَيْت أَنَّ دِينَهُ دِينُ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ: قَالَ أَرَدْت أَنَّك تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ. فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ، أَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدٌّ، كَمَا لَوْ فَسَّرَهُ بِهِ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي غَضَبٍ، قَالَ: إنَّهُ لَأَهْلٌ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْغَضَبِ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْقَذْفِ. بِخِلَافِ حَالِ الرِّضَا. وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لَا يُفْهَمُ مِنْهَا إلَّا الْقَذْفُ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ، فَكَانَتْ صَرِيحَةً فِيهِ، كَقَوْلِهِ: يَا زَانِي. وَلِأَنَّ قَوْمَ لُوطٍ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِمْ.
(٧٢٢٠) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّك عَلَى دِينِ لُوطٍ، أَوْ أَنَّك تُحِبُّ الصِّبْيَانَ، أَوْ تُقَبِّلَهُمْ، أَوْ تَنْظُرُ إلَيْهِمْ، أَوْ أَنَّك تَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ قَوْمِ لُوطٍ فِي أَنْدِيَتِهِمْ، غَيْرَ إتْيَانِ الْفَاحِشَةِ، أَوْ أَنَّك تَنْهَى عَنْ الْفَاحِشَةِ كَنَهْيِ لُوطٍ عَنْهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، خُرِّجَ فِي هَذَا كُلِّهِ وَجْهَانِ؛ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْصُوصَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَاهُ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِرَجُلٍ يَا مَعْفُوجُ]
(٧٢٢١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: يَا مَعْفُوجُ) الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ قَالَ: يَا مَعْفُوجُ. أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَى تَفْسِيرِهِ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِ الْفَاحِشَةِ، مِثْلِ أَنْ قَالَ: أَرَدْت يَا مَفْلُوجُ أَوْ يَا مُصَابًا دُونَ الْفَرْجِ. وَنَحْوَ هَذَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِمَا لَا حَدَّ فِيهِ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ مَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
[فَصْلٌ شَرْطُ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ]
(٧٢٢٢) فَصْلٌ: وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ إلَّا بِلَفْظٍ صَرِيحٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْقَذْفِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: يَا زَانِي. أَوْ يَنْطِقَ بِاللَّفْظِ الْحَقِيقِيِّ فِي الْجِمَاعِ، فَأَمَّا مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ، فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى تَفْسِيرِهِ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا مُخَنَّثُ. أَوْ لِامْرَأَةٍ: يَا قَحْبَةُ. وَفَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ، مِثْلِ أَنْ يُرِيدَ بِالْمُخَنَّثِ أَنَّ فِيهِ طِبَاعَ التَّأْنِيثِ وَالتَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ، وَبِالْقَحْبَةِ أَنَّهَا تَسْتَعِدُّ لِذَلِكَ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: يَا فَاجِرَةُ، يَا خَبِيثَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute