للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَنْتِ طَالِقٌ. أَوْ: أَيَّ وَقْتٍ لَمْ أَحْلِفْ بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَاتٍ، طَلَقَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَا الثَّانِيَةِ؛ لِكَوْنِهِ حَلَفَ عَقِيبَيْهِمَا، وَحَنِثَ فِي الثَّالِثَةِ. وَإِنْ سَكَتَ بَيْنَ كُلِّ يَمِينَيْنِ سُكُوتًا يُمْكِنْهُ الْحَلِفُ فِيهِ، طَلَقَتْ ثَلَاثًا. وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بِلَفْظَةِ إذَا، وَقُلْنَا: هِيَ عَلَى الْفَوْرِ. فَهِيَ كَمَتَى، وَإِلَّا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً فِي آخِرِ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا.

[فَصْلٌ الْحُرُوفُ الْمُسْتَعْمَلَةُ لِلشَّرْطِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِهَا]

(٥٩٥١) فَصْلٌ: وَالْحُرُوفُ الْمُسْتَعْمَلَةُ لِلشَّرْطِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِهَا سِتَّةٌ؛ إنْ، وَإِذَا، وَمَتَى، وَمَنْ، وَأَيُّ وَكُلَّمَا. فَمَتَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِإِيحَادِ فِعْلٍ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَانَ عَلَى التَّرَاخِي، مِثْلُ قَوْلِهِ: إنْ خَرَجْت، وَإِذَا خَرَجْت، وَمَتَى خَرَجْت، وَأَيَّ حِينٍ، وَأَيَّ زَمَانٍ، وَأَيَّ وَقْتٍ خَرَجْت، وَكُلَّمَا خَرَجْت، وَمَنْ خَرَجَتْ مِنْكُنَّ، وَأَيَّتُكُنَّ خَرَجَتْ فَهِيَ طَالِقٌ. فَمَتَى وُجِدَ الْخُرُوجُ طَلَقَتْ. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، سَقَطْت الْيَمِينُ. فَأَمَّا إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالنَّفْيِ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ، كَانَتْ " إنْ " عَلَى التَّرَاخِي، وَمَتَى، وَأَيُّ، وَمَنْ، وَكُلَّمَا، عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَتَى دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. يَقْتَضِي أَيَّ زَمَانٍ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَذَلِكَ شَائِعٌ فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ، فَأَيَّ زَمَنٍ دَخَلَتْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ. وَإِذَا قَالَ: مَتَى لَمْ تَدْخُلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَإِذَا مَضَى عَقِيبَ الْيَمِين زَمَنٌ لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ، وُجِدَتْ الصِّفَةُ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِوَقْتِ الْفِعْلِ، فَيُقَدَّرُ بِهِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ السُّؤَالُ بِهِ، فَيُقَالُ: مَتَى دَخَلْت؟ أَيْ: أَيَّ وَقْتٍ دَخَلْت.

وَأَمَّا " إنْ " فَلَا تَقْتَضِي وَقْتًا، فَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَدْخُلِي. لَا يَقْتَضِي وَقْتًا، إلَّا ضَرُورَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي وَقْتٍ، فَهِيَ مُطْلَقَةٌ فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ. وَأَمَّا إذَا، فَفِيهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، هِيَ عَلَى التَّرَاخِي. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ شَرْطًا بِمَعْنَى إنْ، قَالَ الشَّاعِرُ:

اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّك بِالْغِنَى ... وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ

فَجَزَمَ بِهَا كَمَا يَجْزِمُ بِأَنْ، وَلِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَتَى وَإِنْ، وَإِذَا احْتَمَلَتْ الْأَمْرَيْنِ، فَالْيَقِينُ بَقَاءُ النِّكَاحِ، فَلَا يَزُولُ بِالِاحْتِمَالِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لَزَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَتَكُونُ كَمَتَى.

وَأَمَّا الْمُجَازَاةُ بِهَا فَلَا تُخْرِجُهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا، فَإِنَّ مَتَى يُجَازَى بِهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشَّاعِرِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>