مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
و" مَنْ " يُجَازَى بِهَا أَيْضًا، وَكَذَلِكَ " أَيُّ " وَسَائِرُ الْحُرُوفِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ إلَّا كُلَّمَا، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي " مَتَى " أَنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْرَارِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِد
أَيْ: فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَلِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِيه؛ لِأَنَّهَا اسْمُ زَمَنٍ بِمَعْنَى أَيَّ وَقْتٍ، وَبِمَعْنَى إذَا، فَلَا تَقْتَضِي مَا لَا يَقْتَضِيَانِهِ، وَكَوْنُهَا تُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْرَارِ فِي بَعْضِ أَحْيَانِهَا، لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِهِ، مِثْلُ إذَا وَأَيَّ وَقْتٍ، فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْأَمْرَيْنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: ٦٨] {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ٥٤] . {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا} [الأعراف: ٢٠٣] . وَقَالَ الشَّاعِرُ:
قَوْمٌ إذَا الشَّرُّ أَبْدَى نَاجِذَيْهِ ... لَهُمْ سَارُوا إلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانَا
وَكَذَلِكَ أَيَّ وَقْتٍ وَأَيَّ زَمَانٍ، فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلتَّكْرَارِ، وَسَائِرُ الْحُرُوفِ يُجَازَى بِهَا، إلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْرَارِ وَغَيْرِهِ، لَا تُحْمَلُ عَلَى التَّكْرَارِ إلَّا بِدَلِيلٍ، كَذَلِكَ مَتَى.
(٥٩٥٢) فَصْلٌ: وَهَذِهِ الْحُرُوفُ إذَا تَقَدَّمَ جَزَاؤُهَا عَلَيْهَا، لَمْ تَحْتَجْ إلَى حَرْفٍ فِي الْجَزَاءِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ. وَإِنْ تَأَخَّرَ جَزَاؤُهَا، احْتَاجَتْ فِي الْجَزَاءِ إلَى حَرْفِ الْفَاءِ إذَا كَانَ جُمْلَةً مِنْ مُبْتَدَإٍ وَخَبَرٍ، كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَإِنَّمَا اُخْتُصَّتْ بِالْفَاءِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ، فَتَرْبِطُ بَيْنَ الْجَزَاءِ وَشَرْطِهِ، وَتَدُلُّ عَلَى تَعْقِيبِهِ بِهِ. فَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ. لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ. وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: تَطْلُقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِدُخُولِ الدَّارِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute