[فَصْلٌ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِصِفَةِ ثُمَّ أَبَانَهَا بِخَلْعِ أَوْ طَلَاقٍ ثُمَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا وَوَجَدَتْ الصِّفَةُ]
(٥٨١٢) فَصْلٌ: إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِصِفَةٍ، ثُمَّ أَبَانَهَا بِخُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ، ثُمَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا، وَوُجِدَتْ. الصِّفَةُ، طَلُقَتْ. وَمِثَالُهُ إذَا قَالَ: إنْ كَلَّمْت أَبَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ أَبَانَهَا بِخُلْعٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَكَلَّمَتْ أَبَاهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. فَأَمَّا إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي حَالِ الْبَيْنُونَةِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ وُجِدَتْ مَرَّةً أُخْرَى، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تَطْلُقُ. وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِتْقِ، فِي رَجُلٍ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ. فَبَاعَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، يَعْنِي فَاشْتَرَاهُ، فَإِنْ رَجَعَ وَقَدْ دَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فَلَا يَدْخُلُ إذَا رَجَعَ إلَيْهِ، فَإِنْ دَخَلَ عَتَقَ. فَإِذَا نَصَّ فِي الْعِتْقِ عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ لَا تَعُودُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّلَاقِ مِثْلُهُ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَشَوَّفُ الشَّرْعُ إلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْخِرَقِيِّ: وَإِذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ. لَمْ تَطْلُقْ إنْ تَزَوَّجَهَا. وَلَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ. فَمَلَكَهُ صَارَ حُرًّا. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّ الصِّفَةَ لَا تَعُودُ إذَا أَبَانَهَا بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ فِي حَالِ الْبَيْنُونَةِ. هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لُزُوجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ. فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ نَكَحَتْ غَيْرَهُ، ثُمَّ نَكَحَهَا الْحَالِفُ، ثُمَّ دَخَلْت الدَّارَ، أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ. وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، لِأَنَّ إطْلَاقَ الْمِلْكِ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنْ أَبَانَهَا دُونَ الثَّلَاثِ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ فِي الْبَيْنُونَةِ، ثُمَّ نَكَحَهَا، لَمْ تَنْحَلَّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ. وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: لَا تَعُودُ الصِّفَةُ بِحَالٍ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ وُجِدَ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَمْ يَقَعْ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِالصِّفَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلْت الدَّارَ. ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ. وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ.
فَأَمَّا إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي حَالِ الْبَيْنُونَةِ، انْحَلَّتْ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُ الطَّلَاق فِيهِ، فَسَقَطَتْ الْيَمِينُ، وَإِذَا انْحَلَّتْ مَرَّةً، لَمْ يُمْكِنْ عَوْدُهَا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. وَلَنَا أَنَّ عَقَدَ الصِّفَةِ وَوُقُوعَهَا وُجِدَا فِي النِّكَاحِ، فَيَقَعُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْهُ بَيْنُونَةٌ، أَوْ كَمَا لَوْ بَانَتْ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ تَفْعَلْ الصِّفَةَ. وَقَوْلُهُمْ: أَنَّ هَذَا طَلَاقٌ قَبْلَ نِكَاحٍ. قُلْنَا: يَبْطُلُ بِمَا إذَا لَمْ يُكْمِلْ الثَّلَاثَ. وَقَوْلُهُمْ: تَنْحَلُ الصِّفَةُ بِفِعْلِهَا. قُلْنَا: إنَّمَا تَنْحَلُ بِفِعْلِهَا عَلَى وَجْهٍ يَحْنَثُ بِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ حُلَّ وَعُقِدَ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ عَقْدَهَا يَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ، فَكَذَلِكَ حَلُّهَا، وَالْحِنْثُ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ الصِّفَةِ حَالَ بَيْنُونَتِهَا، فَلَا تَنْحَلُ الْيَمِينُ.
وَأَمَّا الْعِتْقُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute