مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ، فَقَامَ لِيَقْضِيَ، أَيَجْهَرُ أَوْ يُخَافِتُ؟ قَالَ: إنْ شَاءَ جَهَرَ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ.
ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا الْجَهْرُ لِلْجَمَاعَةِ، قُلْت لَهُ: وَكَذَلِكَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، إنْ شَاءَ جَهَرَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَجْهَرْ؟ قَالَ: نَعَمْ، إنَّمَا الْجَهْرُ لِلْجَمَاعَةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ طَاوُسٌ، فِيمَنْ فَاتَتْهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ الْجَهْرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْإِنْصَاتِ إلَى أَحَدٍ، فَأَشْبَهَ الْإِمَامَ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ الْقِرَاءَةَ عَنْ غَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ الْمَأْمُومَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ، وَيُفَارِقُ الْإِمَامَ، فَإِنَّهُ يَقْصِدُ إسْمَاعَ الْمَأْمُومِينَ، وَيَتَحَمَّلُ الْقِرَاءَةَ عَنْهُمْ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ أَحْمَدُ فِي قَوْلِهِ: إنَّمَا الْجَهْرُ لِلْجَمَاعَةِ، فَقَدْ تَوَسَّطَ الْمُنْفَرِدُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَفَارَقَهُمَا فِي كَوْنِهِ لَا يَقْصِدُ إسْمَاعَ غَيْرِهِ، وَلَا الْإِنْصَاتَ لَهُ، فَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْحَالَيْنِ.
[فَصْلٌ إنَّ قَضَى الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ]
(٧٩٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ قَضَى الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ صَلَاةَ نَهَارٍ أَسَرَّ، سَوَاءٌ قَضَاهَا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ لِأَنَّهَا صَلَاةُ نَهَارٍ، وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. فَإِنْ كَانَتْ الْفَائِتَةُ صَلَاةَ جَهْرٍ فَقَضَاهَا فِي لَيْلٍ، جَهَرَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، لِأَنَّهَا صَلَاةُ لَيْلٍ فَعَلَهَا لَيْلًا، فَيَجْهَرُ فِيهَا كَالْمُؤَدَّاةِ وَإِنْ قَضَاهَا نَهَارًا، فَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ شَاءَ لَمْ يَجْهَرْ فَيَحْتَمِلُ الْإِسْرَارَ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ عَجْمَاءُ، وَهَذِهِ صَلَاةُ نَهَارٍ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ فَارْجُمُوهُ بِالْبَعْرِ» . رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ، بِإِسْنَادِهِ.
وَهَذِهِ قَدْ صَارَتْ صَلَاةَ نَهَارٍ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْعُولَةٌ بِالنَّهَارِ، فَأَشْبَهَ الْأَدَاءَ فِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا، لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى وَفْقِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَلَا فَرْقَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، لِشَبَهِ الصَّلَاةِ الْمَقْضِيَّةِ بِالْحَالَيْنِ.
[مَسْأَلَة قِرَاءَةَ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَسْنُونَةٌ]
(٧٩٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى: بِنَحْوِ الثَّلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الثَّانِيَةِ بِأَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الْمَغْرِبِ، بِسُوَرِ آخِرِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا " وَمَا أَشْبَهَهَا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَسْنُونَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي بَيَّنَ الْخِرَقِيِّ؛ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاتِّبَاعًا لِسُنَّتِهِ، فَفِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: ١] وَنَحْوِهَا، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدُ إلَى التَّخْفِيفِ» . وَقَالَ قُطْبَةُ بْنُ مَالِكٍ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَرَوَى النَّسَائِيّ، أَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا الرُّومَ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: «قَرَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِ الْمُؤْمِنُونَ. فَلَمَّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ عِيسَى أَصَابَتْهُ شَرْقَةٌ، فَرَكَعَ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: «كَأَنِّي أَسْمَعُ صَوْتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute