لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ، إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ، فَلَمْ تَصِحّ الْكَفَالَةُ بِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ، كَحَدِّ الزِّنَى.
[فَصْلٌ الْكَفَالَةُ بِالْمَكَاتِبِ مِنْ أَجْلِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ]
(٣٥٩٧) فَصْلٌ: وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْمُكَاتِبِ مِنْ أَجْلِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ لَا يَلْزَمُهُ. فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ، كَدَيْنِ الْكِتَابَةِ.
[فَصْلٌ الْكَفَالَةُ حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً]
(٣٥٩٨) فَصْلٌ: وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً، كَمَا يَصِحُّ الضَّمَانُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا، وَإِذَا أَطْلَقَ كَانَتْ حَالَّةً؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَدْخُلُهُ الْحُلُولُ اقْتَضَى إطْلَاقُهُ الْحُلُولَ، كَالثَّمَنِ وَالضَّمَانِ، فَإِذَا تَكَفَّلَ حَالًّا كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِإِحْضَارِهِ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ وَهُنَاكَ يَدٌ حَائِلَةٌ ظَالِمَةٌ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ الْمَكْفُولَ لَهُ تَسَلُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ غَرَضُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَدٌ حَائِلَةٌ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ، فَإِنْ قَبِلَهُ بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَقُولَ: قَدْ بَرِئْت إلَيْك مِنْهُ. أَوْ قَدْ سَلَّمْته إلَيْك. أَوْ قَدْ أَخْرَجْت نَفْسِي مِنْ كَفَالَتِهِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ، فَبَرِئَ مِنْهُ بِالْعَمَلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَالْإِجَارَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهِ بَرِئَ، لِأَنَّهُ أَحْضَرَ مَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ عِنْدَ غَرِيمِهِ وَطَلَبَ مِنْهُ تَسَلُّمَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ، فَبَرِئَ مِنْهُ كَالْمُسْلِمِ فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إذَا امْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهِ، أَشْهَدَ عَلَى امْتِنَاعِهِ رَجُلَيْنِ، وَبَرِئَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى فَعَلَهُ، فَبَرِئَ مِنْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَرْفَعُهُ إلَى الْحَاكِمِ فَيُسَلِّمهُ إلَيْهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ عَلَى إحْضَارِهِ وَامْتِنَاعِ الْمَكْفُولِ لَهُ مِنْ قَبُوله.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ مَعَ وُجُودِ صَاحِبِ الْحَقِّ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَى نَائِبِهِ، كَحَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُؤَجَّلَةً، لَمْ يَلْزَمْ إحْضَارُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَأَحْضَرَهُ وَسَلَّمَهُ بَرِئَ. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ مُرْتَدًّا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، لَمْ يُؤْخَذْ بِالْحَقِّ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُ الْمُضِيُّ إلَيْهِ وَإِعَادَتُهُ.
وَقَالَ ابْن شُبْرُمَةَ: يُحْبَسُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّ الْحَقَّ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ أَدَائِهِ إمْكَانُ التَّسْلِيمِ. وَإِنْ كَانَ حَالًّا كَالدَّيْنِ، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ إحْضَارُهُ فِيهَا وَلَمْ يُحْضِرْهُ، أَوْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً لَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ إحْضَارِهِ مَعَ إمْكَانِهِ، أُخِذَ بِمَا عَلَيْهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً لَا يُعْلَمُ مَكَانُهُ، لَمْ يُطَالَبْ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِهِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ إحْضَارِهِ مَعَ إمْكَانِهِ حُبِسَ. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى وُجُوبِ الْغُرْمِ فِيمَا مَضَى. وَإِنْ أَحْضَرَ الْمَكْفُولَ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَلَا ضَرَرَ فِي تَسْلِيمِهِ، لَزِمَهُ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ حُجَّةُ الْغَرِيمِ غَائِبَةً، أَوْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ، أَوْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ اقْتِضَاؤُهُ مِنْهُ، أَوْ قَدْ وَعَدَهُ بِالْإِنْظَارِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، كَمَا نَقُولُ فِي مَنْ دَفَعَ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ حُلُولِهِ
[فَصْلٌ عَيَّنَ فِي الْكَفَالَةِ تَسْلِيمَهُ فِي مَكَان ثُمَّ أَحْضَرَهُ فِي غَيْرِهِ]
(٣٥٩٩) فَصْلٌ: وَإِذَا عَيَّنَ فِي الْكَفَالَةِ تَسْلِيمَهُ فِي مَكَان، فَأَحْضَرَهُ فِي غَيْرِهِ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْكَفَالَةِ.