للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ انْحِرَافِ مِزَاجٍ زَالَ فِي فَصْلِ الِاعْتِدَالِ. فَإِذَا مَضَتْ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ، وَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْأَهْوِيَةُ فَلَمْ تَزُلْ، عُلِمَ أَنَّهُ خِلْقَةٌ

وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَهْلُ الطِّبِّ يَقُولُونَ: الدَّاءُ لَا يَسْتَجِنُّ فِي الْبَدَنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، ثُمَّ يَظْهَرُ. وَابْتِدَاءُ السَّنَةِ مُنْذُ تَرَافُعِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْقَائِلِينَ بِتَأْجِيلِهِ. قَالَ مَعْمَرٌ فِي حَدِيثِ عُمَرَ: يُؤَجَّلُ سَنَةً: مِنْ يَوْمِ مُرَافَعَتِهِ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَمْ يَطَأْ، فَلَهَا الْخِيَارُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ، لَمْ يَجُزْ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَإِمَّا أَنْ يَفْسَخَ، وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهَا فَتَفْسَخَ هِيَ. فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْقَائِلِينَ بِهِ

وَلَا يَفْسَخُ حَتَّى تَخْتَارَ الْفَسْخَ وَتَطْلُبَهُ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّهَا، فَلَا تُجْبَرُ عَلَى اسْتِيفَائِهِ، كَالْفَسْخِ لِلْإِعْسَارِ، فَإِذَا فَسَخَ فَهُوَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ يُفَرِّقُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَتَكُونُ تَطْلِيقَةٌ؛ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ لِعَدَمِ الْوَطْءِ، فَكَانَتْ طَلَاقًا، كَفُرْقَةِ الْمُولِي. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا خِيَارٌ ثَبَتَ لِأَجْلِ الْعَيْبِ، فَكَانَ فَسْخًا، كَفَسْخِ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ الْعَيْبِ.

[فَصْلٌ اتَّفَقَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ عَلَى الرَّجْعَةِ]

(٥٥٣٣) فَصْلٌ: فَإِنْ اتَّفَقَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ عَلَى الرَّجْعَةِ، لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ عَنْهُ، وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ. فَإِذَا تَزَوَّجَهَا كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى طَلَاقٍ ثَلَاثٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا قَوْلًا ثَانِيًا، أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَحَرَّمَتْ النِّكَاحَ، كَفُرْقَةِ اللِّعَانِ

وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ لِأَجْلِ الْعَيْب، فَلَمْ تَمْنَعْ النِّكَاحَ، كَفُرْقَةِ الْمُعْتَقَةِ، وَالْفُرْقَةِ فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ. وَأَمَّا فُرْقَةُ اللِّعَانِ فَإِنَّهَا حَصَلَتْ بِلِعَانِهِمَا قَبْلَ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ، وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يُحَرِّمُ الْمُقَامَ عَلَى النِّكَاحِ، فَمَنَعَ ابْتِدَاءَهُ، وَيُوجِبُ الْفُرْقَةَ، فَمَنَعَ الِاجْتِمَاعَ، وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ. وَلَوْ رَضِيت الْمَرْأَةُ بِالْمُقَامِ، أَوْ لَمْ تَطْلُب الْفَسْخَ، لَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقِيَاسُ مَعَ هَذِهِ الْفُرُوقِ؟ .

[فَصْلٌ مَنْ عُلِمَ أَنَّ عَجْزَهُ عَنْ الْوَطْءِ لَعَارِضٍ مِنْ صِغَرٍ أَوْ مَرَضٍ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ]

(٥٥٣٤) فَصْلٌ: وَمَنْ عُلِمَ أَنَّ عَجْزَهُ عَنْ الْوَطْءِ لَعَارِضٍ؛ مِنْ صِغَرٍ، أَوْ مَرَضٍ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، لَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَارِضٌ يَزُولُ، وَالْعُنَّةُ خِلْقَةٌ وَجِبِلَّةٌ لَا تَزُولُ. وَإِنْ كَانَ لَكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، ضُرِبَتْ لَهُ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ خُلِقَ كَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ لِجَبٍّ، أَوْ شَلَلٍ، ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَيْئُوسٌ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِهِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ الذَّكَرِ مَا يُمْكِنُ الْوَطْءُ بِهِ، فَالْأَوْلَى ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِنِّينِ خِلْقَةً. وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي الْقَدْرِ الْبَاقِي هَلْ يُمْكِنُ الْوَطْءُ بِمِثْلِهِ أَوْ لَا؟ رُجِعَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ الْخَصِيُّ مِنْ عُيُوب النِّكَاح]

(٥٥٣٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْخَصِيُّ، فَإِنَّ الْخِرَقِيِّ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ، وَلَمْ يُفْرِدْهُ بِحُكْمٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ، فِي أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>