- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاقْضِ اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» . رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَمُطْلَقٌ فِي النَّذْرِ، وَمَا عَدَا الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ يُقَاسُ، عَلَيْهِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَلَوْ قُدِّرَ التَّعَارُضُ، لَكَانَتْ أَحَادِيثُنَا أَصَحَّ، وَأَكْثَرَ، وَأَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقْضِيَ النَّذْرَ عَنْهُ وَارِثُهُ، فَإِنْ قَضَاهُ غَيْرُهُ، أَجْزَأَهُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنَهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ، وَقَاسَهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ الْوَارِثُ إنَّمَا هُوَ تَبَرُّعٌ مِنْهُ، وَغَيْرُهُ مِثْلُهُ فِي التَّبَرُّعِ. وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ فِي مَالٍ، تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ.
[فَصْلٌ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ عَلَى أَرْبَعٍ]
(٨٢١٢) فَصْلٌ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ عَلَى أَرْبَعٍ، فَعَلَيْهِ طَوَافَانِ. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ لِمَا رَوَى «مُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ الْكِنْدِيُّ، أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ أُمُّهُ كَبْشَةُ بِنْتُ مَعْدِيكَرِبَ عَمَّةُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي آلَيْتُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَبْوًا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: طُوفِي عَلَى رِجْلَيْك سَبْعَيْنِ؛ سَبْعًا عَنْ يَدَيْك، وَسَبْعًا عَنْ رِجْلَيْك» . أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي امْرَأَةٍ نَذَرَتْ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ عَلَى أَرْبَعٍ، قَالَ: تَطُوفُ عَنْ يَدَيْهَا سَبْعًا، وَعَنْ رِجْلَيْهَا سَبْعًا. رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَلَى رِجْلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، فَيَسْقُطُ، كَمَا أَنَّ «أُخْتَ عُقْبَةَ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَحُجَّ وَتَخْتَمِرَ» . وَرَوَى عِكْرِمَةُ، أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي سَفَرٍ، فَحَانَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا، فَقَالَ: مُرُوهَا فَلْتَخْتَمِرْ وَمَرَّ بِرَجُلَيْنِ مُقْتَرِنَيْنِ، فَقَالَ: أَطْلِقَا قِرَانَكُمَا» .
وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ أَبِي إسْرَائِيلَ، الَّذِي نَذَرَ أَنْ يَصُومَ، وَيَفْعَلَ أَشْيَاءَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّوْمِ وَحْدَهُ، وَنَهَاهُ عَنْ سَائِرِ نُذُورِهِ. وَهَلْ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ؟ يُخَرَّجُ فِيهِ وَجْهَانِ؛ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ؛ لِإِخْلَالِهِ بِصِفَةِ نَذْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ، كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُ النَّذْرِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute