وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقْضِي عَنْهُ الْحَجَّ، وَلَا يَقْضِي الصَّلَاةَ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا يَقْضِي الصَّوْمَ، فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَيُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى وَلِيِّهِ، بِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْوَلِيِّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَقًّا فِي الْمَالِ، وَيَكُونَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ، وَأَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، بِدَلِيلِ قَرَائِنَ فِي الْخَبَرِ؛ مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ مَا لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً يُقْضَى بِهَا، وَمِنْهَا أَنَّ السَّائِلَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ .
وَجَوَابُهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مُقْتَضَى سُؤَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَضَاهُ السُّؤَالَ عَنْ الْإِبَاحَةِ، فَالْأَمْرُ فِي جَوَابِهِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ، وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عَنْ الْإِجْزَاءِ، فَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ، كَقَوْلِهِمْ: «أَنُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ» . وَإِنْ كَانَ سُؤَالُهُمْ عَنْ الْوُجُوبِ فَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، كَقَوْلِهِمْ: «أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» . وَسُؤَالُ السَّائِلِ فِي مَسْأَلَتِنَا كَانَ عَنْ الْإِجْزَاءِ، فَأَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفِعْلِ يَقْتَضِيهِ لَا غَيْرُ.
وَلَنَا، عَلَى جَوَازِ الصِّيَامِ عَنْ الْمَيِّتِ، مَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» .
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، كَانَ يُؤَدَّى ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَصُومِي عَنْ أُمِّك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ «سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ اسْتَفْتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ، فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدُ» . وَعَنْهُ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ. فَقَالَ النَّبِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute