قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعِيدٍ، قَالَ: «رَأَيْت رَجُلًا بِبُخَارَى عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، عَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ سَوْدَاءُ؛ فَقَالَ: كَسَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرَوَى مَالِكٌ، فِي مُوَطَّئِهِ، أَنَّ عَائِشَةَ كَسَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مِطْرَفَ خَزٍّ كَانَتْ تَلْبَسُهُ.
[فَصْلٌ هَلْ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُلْبِسَهُ الْحَرِيرَ]
(٨٢١) فَصْلٌ: وَهَلْ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُلْبِسَهُ الْحَرِيرَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَشْبَهُهُمَا بِالصَّوَابِ تَحْرِيمُهُ؛ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا نَنْزِعُهُ عَنْ الْغِلْمَانِ، وَنَتْرُكُهُ عَلَى الْجَوَارِي. وَقَدِمَ حُذَيْفَةُ مِنْ سَفَرٍ، وَعَلَى صِبْيَانِهِ قُمُصٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَمَزَّقَهَا عَلَى الصِّبْيَانِ، وَتَرَكَهَا عَلَى الْجَوَارِي، أَخْرَجَهُ الْأَثْرَمُ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْت رَابِعَ أَرْبَعَةٍ، أَوْ خَامِسَ خَمْسَةٍ، مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ صَغِيرٌ عَلَيْهِ قُمُصٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ كَسَاك هَذَا؟ قَالَ: أُمِّي. فَأَخَذَهُ عَبْدُ اللَّهِ فَشَقَّهُ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، أَنَّهُ يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ، فَلَا يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِلُبْسِهِمْ، كَمَا لَوْ أَلْبَسَهُ دَابَّةً، وَلِأَنَّهُمْ مَحَلٌّ لِلزِّينَةِ فَأَشْبَهُوا النِّسَاءَ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ. وَيَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِتَمْكِينِهِمْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَتَمْكِينِهِمْ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ الرِّبَا، وَغَيْرِهِمَا، وَكَوْنُهُمْ مَحَلَّ الزِّينَةِ - مَعَ تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِمْ - يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، لَا الْإِبَاحَةَ، بِخِلَافِ النِّسَاءِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة لَمْ يَقْدِرْ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاة]
(٨٢٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ صَلَّى جَالِسًا يُومِئُ إيمَاءً وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ الْعَادِمَ لِلسُّتْرَةِ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ بِهِ عَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ يُصَلِّي قَائِمًا، بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَجَالِسًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ لِلْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ لَهُ كَالْقَادِرِ عَلَى السَّتْرِ.
وَلَنَا مَا رَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْمٍ انْكَسَرَتْ بِهِمْ مَرَاكِبُهُمْ، فَخَرَجُوا عُرَاةً، قَالَ: يُصَلُّونَ جُلُوسًا، يُومِئُونَ إيمَاءً بِرُءُوسِهِمْ. وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ، وَلِأَنَّ السَّتْرَ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ بِدَلِيلِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ بِحَالٍ، وَالْقِيَامُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْقِيَامَ يَخْتَصُّ الصَّلَاةَ، وَالسَّتْرَ يَجِبُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَرْكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute