وَلَنَا، أَنَّهَا شَهَادَةٌ رُدَّ بَعْضُهَا لِلتُّهْمَةِ، فَتُرَدُّ جَمِيعُهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ بِمَالٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَلَوْ شَهِدَ بِدَيْنٍ لِأَبِيهِ وَأَجْنَبِيٍّ، أَوْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ تُرَدُّ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ، بَطَلَتْ كُلُّهَا.
[مَسْأَلَة أَقَرَّ الْوَارِثُ لِرَجَلٍ بِدِينِ عَلَى الْمَيِّتِ يَسْتَغْرِقُ مِيرَاثَهُ]
(٨٤٨٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ، وَخَلَّفَ ابْنًا، وَأَلْفَ دِرْهَمٍ، فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَصَدَّقَهُ الِابْنُ، وَادَّعَى آخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَصَدَّقَهُ الِابْنُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ، كَانَ الْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ، وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا خَلَّفَ وَارِثًا، وَتَرِكَةً، فَأَقَرَّ الْوَارِثُ لِرَجَلٍ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ يَسْتَغْرِقُ مِيرَاثَهُ، فَقَدْ أَقَرَّ بِتَعَلُّقِ دَيْنِهِ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِجَمِيعِهَا، فَإِذَا أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِآخَرَ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ، صَحَّ الْإِقْرَارُ، وَاشْتَرَكَا فِي التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كُلَّهَا كَحَالَةٍ وَاحِدَةٍ، بِدَلِيلِ الْقَبْضِ، فِيمَا يَعْتَبِرُ الْقَبْضُ فِيهِ، وَإِمْكَانُ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ، وَلُحُوقِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ.
وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِحَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُقِرُّ بِمَا يَقْتَضِي مُشَارَكَةَ الْأَوَّلِ فِي التَّرِكَة، وَمُزَاحَمَتَهُ فِيهَا وَتَنْقِيصَ حَقِّهِ مِنْهَا. وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، يُقْبَلُ إقْرَارُهُ، وَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْرُوثِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمَوْرُوثُ لَهُمَا لَقُبِلَ، فَكَذَلِكَ الْوَارِثُ؛ وَلِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ الْإِقْرَارِ يُفْضِي إلَى إسْقَاطِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَّفِقُ حُضُورُهُمْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَيَبْطُلُ حَقُّهُ بِغَيْبَتِهِ، وَلِأَنَّ مَنْ قُبُلِ إقْرَارُهُ أَوَّلًا، قُبُلِ إقْرَارُهُ ثَانِيًا، إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ، كَالْمَوْرُوثِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِمَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ، عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهِ، تَعَلُّقًا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَإِقْرَارِ الرَّاهِنِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ أَوْ الْجَانِي. وَأَمَّا الْمَوْرُوثُ، فَإِنْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ، صَحَّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ، لَمْ يُحَاصَّ الْمُقَرُّ لَهُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ؛ لِذَلِكَ.
وَإِنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ لَغَرِيمٍ يَسْتَغْرِقُ دَيْنُهُ تَرِكَتَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ لِآخَرَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، صَحَّ، وَشَارَكَ الْأَوَّلَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَارِثِ، أَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْنَعْهُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ، وَلَا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ دَيْنٌ آخَرُ، بِأَنْ يَسْتَدِينَ دَيْنًا آخَرَ، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِتَرِكَتِهِ بِالْإِقْرَارِ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُعَلِّقَ بِالتَّرِكَةِ دَيْنًا آخَرَ بِفِعْلِهِ، فَلَا يَمْلِكُهُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي التَّرِكَةِ، مَا لَمْ يَلْتَزِمْ قَضَاءَ الدَّيْنِ.
[فَصْل مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفًا فَأَقَرَّ بِهِ ابْنُهُ لِرَجَلٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ]
(٨٤٨٧) فَصْلٌ: وَإِنْ مَاتَ، وَتَرَكَ أَلْفًا، فَأَقَرَّ بِهِ ابْنُهُ لِرَجَلٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِرَافِهِ لِلْأَوَّلِ، ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ فِيهِ، فَصَارَ إقْرَارُهُ لِلثَّانِي إقْرَارًا لَهُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ. وَتَلْزَمُ الْمُقِرَّ غَرَامَتُهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِهِ لِغَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ، فَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute