وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِغُلَامِ دُكَّانِهِ، بَلْ مَتَى فَعَلَ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْحِيلَةِ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ حَرَامًا وَتَدْلِيسًا، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ ثُمَّ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ]
(٣٠٥٤) فَصْلٌ: فَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُخْبِرَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ، جَازَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تُهْمَةٌ، وَلَا تَغْرِيرٌ بِالْمُشْتَرِي فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَرْبَحْ فِيهِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ يَطْرَحُ الرِّبْحَ مِنْ الثَّمَنِ وَيُخْبِرُ أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ. وَأَعْجَبَ أَحْمَدَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: فَإِنْ بَاعَهُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ، يُبَيِّنُ أَمْرَهُ. يَعْنِي يُخْبِرُ أَنَّهُ رَبِحَ فِيهِ مَرَّةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَمْرَهُ، أَوْ يُخْبِرَ أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ تُضَمُّ فِيهَا الْعُقُودُ فَيُخْبِرُ بِمَا تَقُومُ عَلَيْهِ، كَمَا تُضَمُّ أُجْرَةُ الْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ.
وَقَدْ اسْتَفَادَ بِهَذَا الْعَقْدِ الثَّانِي تَقْرِيرَ الرِّبْحِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَمِنَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ أَحَدُ نَوْعَيْ النَّمَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ. فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا طَرَحَ الرِّبْحَ مِنْ الثَّمَنِ الثَّانِي يَقُولُ: تَقُومُ عَلَى بِخَمْسَةٍ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْته بِخَمْسَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ، وَالْكَذِبُ حَرَامٌ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ ضَمَّ أُجْرَةَ الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ إلَى الثَّمَنِ وَأَخْبَرَ بِهِ. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ ضَمِّ الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ فَشَيْءٌ بَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ لَا نُسَلِّمُهُ، ثُمَّ لَا يُشْبِهُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ وَالنَّمَاءَ لَزِمَاهُ فِي هَذَا الْبَيْعِ الَّذِي يَلِي الْمُرَابَحَةَ وَهَذَا الرِّبْحُ فِي عَقْدٍ آخَرَ قَبْلَ هَذَا الشِّرَاءِ فَأَشْبَهَ الْخَسَارَةَ فِيهِ، وَأَمَّا تَقْرِيرُ الرِّبْحِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ قَدْ لَزِمَ، وَلَمْ يَظْهَرْ الْعَيْبُ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُهُ ثُمَّ قَدْ ذَكَرْنَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ إذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ طَرْحُ النَّمَاءِ وَالْغَلَّةِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِعِشْرِينَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ أَنَّهَا حَصَلَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ أَخْبَرَ أَنَّهَا تَقَوَّمَتْ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ.
وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ، أَخْبَرَ أَنَّهَا تَقَوَّمَتْ عَلَيْهِ بِاثْنَيْ عَشَرَ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى نَظِيرِ هَذَا. وَعَلَى هَذَا يَطْرَحُ الرِّبْحَ مِنْ الثَّمَنِ الثَّانِي كَيْفَمَا كَانَ، فَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ، وَلَكِنْ اشْتَرَاهَا ثَانِيَةً بِخَمْسَةٍ أَخْبَرَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا ثَمَنُ الْعَقْدِ الَّذِي يَلِي الْمُرَابَحَةَ. وَلَوْ خَسِرَ فِيهَا، مِثْلُ إنْ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ بَاعَهَا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ، أَخْبَرَ بِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَضُمَّ الْخَسَارَةَ إلَى الثَّمَنِ الثَّانِي فَيُخْبِرَ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute