للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ نَوْعُ مُعَاوَضَةٍ. وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ، فَإِنْ الرَّهْنَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ؛ مَحْلُوبًا وَمَرْكُوبًا، وَغَيْرَهُمَا، فَأَمَّا الْمَحْلُوبُ وَالْمَرْكُوبُ، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَيَرْكَبَ، وَيَحْلُبَ، بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ، مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَأَحْمَدَ بْن الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ. وَسَوَاءٌ أَنَفَقَ مَعَ تَعَذُّرِ النَّفَقَةِ مِنْ الرَّاهِنِ، لِغَيْبَتِهِ، أَوْ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ، أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَخْذِ النَّفَقَةِ مِنْ الرَّاهِنِ، وَاسْتِئْذَانِهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِمَا أَنْفَقَ، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِهَا، وَلَا يَنْتَفِعُ مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» .

وَلِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَا الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، كَغَيْرِ الرَّهْنِ. وَلَنَا، مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا» ، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ. فَجَعَلَ مَنْفَعَتَهُ بِنَفَقَتِهِ، وَهَذَا مَحِلُّ النِّزَاعِ، فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الرَّاهِنَ يُنْفِقُ وَيَنْتَفِعُ. قُلْنَا: لَا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا، أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: " إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً، فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلْفُهَا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ، وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُ وَيَرْكَبُ نَفَقَتُهُ ". فَجَعَلَ الْمُنْفِقَ الْمُرْتَهِنَ، فَيَكُونُ هُوَ الْمُنْتَفِعَ. وَالثَّانِي، أَنَّ قَوْلَهُ:

(بِنَفَقَتِهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ عِوَضُ النَّفَقَةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، أَمَّا الرَّاهِنُ فَإِنْفَاقُهُ وَانْتِفَاعُهُ لَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ وَاجِبَةٌ، وَلِلْمُرْتَهِنِ حَقٌّ قَدْ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ نَمَاءِ الرَّهْنِ، وَالنِّيَابَةِ عَنْ الْمَالِكِ فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِهِ، فَجَازَ ذَلِكَ كَمَا، يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَخْذُ مُؤْنَتِهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَالنِّيَابَةُ عَنْهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَالْحَدِيثُ نَقُولُ بِهِ: وَالنَّمَاءُ لِلرَّاهِنِ، وَلَكِنْ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةُ صَرْفِهَا إلَى نَفَقَتِهِ، لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَوِلَايَتِهِ، وَهَذَا فِيمَنْ أَنْفَقَ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ، فَأَمَّا إنْ أَنْفَقَ مُتَبَرِّعًا بِغَيْرِ نِيَّةِ الرُّجُوعِ، لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.

[فَصْلٌ مُؤْنَة الرَّهْن غَيْرُ الْمَحْلُوبِ وَالْمَرْكُوبِ]

(٣٣٧٢) فَصْلٌ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمَحْلُوبِ وَالْمَرْكُوبِ، فَيَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ؛ حَيَوَانٌ، وَغَيْرُهُ، فَأَمَّا الْحَيَوَانُ كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَنَحْوِهِمَا، فَهَلْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُنْفِقَ وَيَسْتَخْدِمَهُ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ؟ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. ذَكَرَهَا الْخِرَقِيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّه يَسْأَلُ عَنْ الرَّجُلِ يَرْهَنُ الْعَبْدَ، فَيَسْتَخْدِمُهُ فَقَالَ: الرَّهْنُ لَا يَنْتَفِعُ مِنْهُ بِشَيْءِ، إلَّا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ خَاصَّةً فِي الَّذِي يَرْكَبُ وَيَحْلُبُ وَيَعْلِفُ. قُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ وَالرُّكُوبُ أَكْثَرَ؟ قَالَ: لَا إلَّا بِقَدْرِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ لَهُ اسْتِخْدَامَ الْعَبْدِ أَيْضًا - وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ - إذَا امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ الْإِنْفَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>