وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا، وَأَنَّهُ أُجْمِعَ عَلَيْهِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا خَالَفَهُ.
فَأَمَّا حَدِيثُ مُجَمِّعٍ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا، يَعْنِي صَاحِبَهُ، فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ مِنْهُ، وَقَدْ وَافَقَهُ حَدِيثُ أَبِي رُهْمٍ وَأَخِيهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَؤُلَاءِ أَحْفَظُ وَأَعْلَمُ، وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو رُهْمٍ وَأَخُوهُ مِمَّنْ شَهِدُوا وَأَخَذُوا السُّهْمَانَ، وَأَخْبَرُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أُعْطُوا ذَلِكَ، فَلَا يُعَارَضُ ذَلِكَ بِخَبَرٍ شَاذٍّ تَعَيَّنَ غَلَطُهُ، أَوْ حَمْلُهُ عَلَى مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ، وَقِيَاسُ الْفَرَسِ عَلَى الْآدَمِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَثَرَهَا فِي الْحَرْبِ أَكْثَرُ، وَكُلْفَتَهَا أَعْظَمُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَهْمُهَا أَكْثَرَ.
[مَسْأَلَة سَهْم الْفَارِس وَسَهْم الْفَرَس الْهَجِين]
(٧٤٩٤) قَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرَسُهُ هَجِينًا، فَيُعْطَى سَهْمًا لَهُ، وَسَهْمًا لِفَرَسِهِ) الْهَجِينُ: الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ بِرْذَوْنَةٌ. والمقرف: الَّذِي أَبُوهُ بِرْذَوْنٌ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ، قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ:
وَمَا هِنْدٌ إلَّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ ... سَلِيلَةُ أَفْرَاسٍ تَحَلَّلَهَا بَغْلُ
فَإِنْ وَلَدَتْ مُهْرًا كَرِيمًا فبالحري ... وَإِنْ يَكُ أقراف فَمَا أَنْجَبَ الْفَحْلُ
وَأَرَادَ الْخِرَقِيُّ بِالْهَجِينِ هَا هُنَا مَا عَدَا الْعَرَبِيَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ الْهَجِينُ الْبِرْذَوْنُ.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي سُهْمَانِهَا، فَقَالَ الْخَلَّالُ: تَوَاتَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي سِهَامِ الْبِرْذَوْنِ، أَنَّهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. قَالَ الْخَلَّالُ: وَرَوَى عَنْهُ ثَلَاثَةٌ مُتَيَقِّظُونَ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ مِثْلُ سَهْمِ الْعَرَبِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ} [النحل: ٨] .
وَهَذِهِ مِنْ الْخَيْلِ، وَلِأَنَّ الرُّوَاةَ رَوَوْا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا. وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ فَرَسٍ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو سَهْمٍ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْعَرَبِيُّ وَغَيْرُهُ، كَالْآدَمِيِّ. وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَحْمَدَ. - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، أَنَّ الْبَرَاذِينَ إنْ أَدْرَكَتْ إدْرَاكَ الْعِرَابِ، أُسْهِمَ لَهَا مِثْلُ الْفَرَسِ الْعَرَبِيِّ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَالْجُوزَجَانِيِّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَيْلِ، وَقَدْ عَمِلَتْ عَمَلَ الْعِرَابِ، فَأُعْطِيَتْ سَهْمًا كَالْعَرَبِيِّ.
وَحَكَى الْقَاضِي رِوَايَةً رَابِعَةً أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهَا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يَعْمَلُ عَمَلَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ، فَأَشْبَهَ الْبِغَالَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِيمَا لَا يُقَارِبُ الْعَتَاقَ مِنْهَا؛