مُعَالَجَتُهَا حَتَّى تَبْيَضَّ وَتَشْخَصَ، مِنْ غَيْرِ ذَهَابِ الْحَدَقَةِ، فَعَلَهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ انْدَمَلَتْ مُوضِحَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَحْشَةً قَبِيحَةً، وَمُوضِحَةُ الْجَانِي حَسَنَةً جَمِيلَةً، لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، كَذَلِكَ هَاهُنَا، وَهَذَا بَنَاهُ عَلَى أَنَّ اللَّطْمَةَ حَصَلَ بِهَا الْقِصَاصُ، كَمَا حَصَلَ بِجُرْحِ الْمُوضِحَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا.
[فَصْلٌ شَجَّهُ شَجَّةً دُونَ الْمُوضِحَةِ فَأَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنِهِ الْقِصَاص]
(٦٧٠٤) فَصْلٌ: وَإِنْ شَجَّهُ شَجَّة دُون الْمُوضِحَةِ، فَأَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنِهِ، لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ مِثْلَ شَجَّتِهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا قِصَاصَ فِيهَا إذَا لَمْ يَذْهَبْ ضَوْءُ الْعَيْنِ، فَكَذَلِكَ إذَا ذَهَبَ، وَيُعَالَجُ ضَوْءُ الْعَيْنِ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا فِي اللَّطْمَةِ. وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ فَوْقَ الْمُوضِحَةِ، فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مُوضِحَةً. وَهَلْ لَهُ أَرْشُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَإِنْ ذَهَبَ ضَوْءُ الْعَيْنِ، وَإِلَّا اسْتَعْمَلَ فِيهِ مَا يُزِيلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى الْحَدَقَةِ. وَإِنْ شَجَّهُ مُوضِحَةً، فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهَا. وَحُكْمُ الْقِصَاصِ فِي الْبَصَرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقِصَاصِ فِي الْبَصَرِ، فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالسِّرَايَةِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ إصْبَعَهُ، فَسَرَى الْقَطْعُ إلَى الَّتِي تَلِيهَا، فَأَذْهَبَهَا عِنْدهمْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ الْقِصَاصُ هَاهُنَا، قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ ضَوْءَ الْعَيْنِ لَا تُمْكِنُ مُبَاشَرَتُهُ بِالْجِنَايَةِ، فَيَقْتَصُّ مِنْهُ بِالسِّرَايَةِ، كَالنَّفْسِ، فَيَقْتَصُّ مِنْ الْبَصَرِ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا قَبْلَ هَذَا.
[فَصْلٌ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ الْقِصَاص]
(٦٧٠٥) فَصْلٌ: إذَا قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ، فَلَا قَوَدَ، وَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ: إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَأَعْطَاهُ نِصْفَ دِيَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَةً كَامِلَةً. وَقَالَ مَسْرُوقٌ وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ مُغَفَّلٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَهُ الْقِصَاصُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ عَفَا، فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: ٤٥] . وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ. وَلِأَنَّهَا إحْدَى شَيْئَيْنِ فِيهِمَا الدِّيَةُ، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ مِمَّنْ لَهُ وَاحِدَةٌ، أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأَقْطَعُ يَدَ مَنْ لَهُ يَدَانِ. وَلَنَا، قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمَا، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِجَمِيعِ بَصَرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ بِجَمِيعِ بَصَرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَا عَيْنَيْنِ. وَأَمَّا إذَا قَطَعَ يَدَ الْأَقْطَعِ، فَلَنَا فِيهِ مَنْعٌ، وَمَعَ التَّسْلِيمِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ يَدَ الْأَقْطَعِ لَا تَقُومُ مَقَامَ الْيَدَيْنِ فِي النَّفْعِ الْحَاصِلِ بِهِمَا، بِخِلَافِ عَيْنِ الْأَعْوَرِ، فَإِنَّ النَّفْعَ الْحَاصِلَ بِالْعَيْنَيْنِ حَاصِلٌ بِهَا، وَكُلُّ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِصَحِيحِ الْعَيْنَيْنِ، يَثْبُتُ فِي الْأَعْوَرِ مِثْلُهُ؛ وَلِهَذَا صَحَّ عِتْقُهُ فِي الْكَفَّارَةِ دُونَ الْأَقْطَعِ.
فَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ كَامِلَةً عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، فَلِأَنَّهُ لَمَّا دُفِعَ عَنْهُ الْقِصَاصُ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute