وَلَنَا أَنَّهُ قَلَّمَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَلَّمَ خَمْسًا مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا قَالُوهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ مَنْفَعَةَ الْعُضْوِ، وَيَجِبُ بِهِ الدَّمُ، وَقَوْلُهُمْ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ بِهِ الدَّمُ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ مَنْ قَلَّمَ مَا يَجِبُ بِهِ الدَّمُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ، كَمَا قُلْنَا فِي الشَّعْرِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْأَظْفَارِ بِالْإِلْحَاقِ بِالشَّعْرِ، فَيَكُونُ حُكْمُ الْفَرْعِ حُكْمَ أَصْلِهِ، وَلَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ أَوْ الثَّلَاثَةِ بِقِسْطِهِ مِنْ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا وَجَبَ فِيهَا الْحَيَوَانُ لَمْ يَجِبُ فِيهَا جُزْءٌ مِنْهُ، كَالزَّكَاةِ (٢٦٥٥) فَصْلٌ: وَفِي قَصِّ بَعْضِ الظُّفْرِ مَا فِي جَمِيعِهِ، وَكَذَلِكَ فِي قَطْعِ بَعْضِ الشَّعْرَةِ مِثْلُ مَا فِي قَطْعِ جَمِيعِهَا؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ وَالظُّفْرِ، سَوَاءٌ، طَالَ أَوْ قَصُرَ، وَلَيْسَ بِمُقَدَّرٍ بِمِسَاحَةٍ، فَيَتَقَدَّرُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ كَالْمُوضِحَةِ يَجِبُ فِي الصَّغِيرَةِ مِنْهَا مِثْلُ مَا يَجِبُ فِي الْكَبِيرَةِ.
وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا، أَنَّهُ يَجِبُ بِحِسَابِ الْمُتْلَفِ كَالْإِصْبَعِ يَجِبُ فِي أُنْمُلَتِهَا ثُلُثُ دِيَتِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَم.
[مَسْأَلَة تَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ عَامِدًا]
(٢٦٥٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ تَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ عَامِدًا، غَسَلَ الطِّيبَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَكَذَلِكَ إنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ أَوْ الْخُفَّ عَامِدًا وَهُوَ يَجِدُ النَّعْلَ، خَلَعَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ) لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْمُحْرِمِ، إذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ عَامِدًا؛ لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِمَحْظُورٍ فِي إحْرَامِهِ، فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، كَمَا لَوْ تَرَفَّهَ بِحَلْقِ شَعْرِهِ، أَوْ قَلْمِ ظُفْرِهِ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ بِدَمٍ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ قَلِيلُ الطِّيبِ وَكَثِيرُهُ، وَقَلِيلُ اللُّبْسِ وَكَثِيرُهُ. وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا بِتَطْيِيبِ عُضْوٍ كَامِلٍ، وَفِي اللِّبَاسِ بِلَبَّاسِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَا شَيْءَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْ لِبْسًا مُعْتَادًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ. وَلَنَا، أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ بِهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمَحْظُورَاتِ، فَاعْتُبِرَ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ كَالْوَطْءِ، مَحْظُورًا، فَلَا تَتَقَدَّرُ فِدْيَتُهُ بِالزَّمَنِ، كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي اللُّبْسِ فِي الْعَادَةِ، وَلِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ تَقْدِيرٌ، وَالتَّقْدِيرَاتُ بَابُهَا التَّوْقِيفُ، وَتَقْدِيرُهُمْ بِعُضْوٍ وَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ. وَأَمَّا إذَا ائْتَزَرَ بِقَمِيصٍ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِلُبْسِ مَخِيطٍ، وَلِهَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ مُحَرَّمٌ.
[فَصْل يَلْزَم الْمُحْرِم غَسْلُ الطِّيبِ وَخَلْعُ اللِّبَاسِ]
(٢٦٥٧) فَصْلٌ: وَيَلْزَمُهُ غَسْلُ الطِّيبِ، وَخَلْعُ اللِّبَاسِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَحْظُورًا، فَيَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ وَقَطْعُ اسْتَدَامَتْهُ، كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي غَسْلِ الطِّيبِ بِحَلَالٍ؛ لِئَلَّا يُبَاشِرَ الْمُحْرِمُ الطِّيبَ بِنَفْسِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَلِيَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَّذِي رَأَى عَلَيْهِ طِيبًا أَوْ خَلُوقًا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute