للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهِدَا فِي وَقْتَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَكْمُلُ الشَّهَادَةُ، يُحْكَمُ بِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا أَقَرَّ بِهِ غَيْرَ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ. وَهَذَا يَبْطُلُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارَيْنِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرَ مَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدِ الْآخَرِ، إذَا كَانَا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ جَعْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى وَاحِدٍ، لَمْ تُحْمَلْ عَلَى اثْنَيْنِ، كَالْإِقْرَارَيْنِ، وَكَمَا لَوْ شَهِدَ بِالْغَصْبِ اثْنَانِ، وَشَهِدَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ اثْنَانِ. وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ زَيْدٍ، أَوْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِهِ مِنْهُ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ مِلْكُ زَيْدٍ، لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ.

وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ يَدَيْهِ، أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ رَدَّهُ إلَى يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، فَتُرَدُّ إلَى يَدِهِ، لِتَكُونَ دَلَالَتُهَا ثَابِتَةً لَهُ. قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ، وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ، شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِفُلَانٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ فُلَانٍ. قَالَ: شَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ.

[فَصْل وَمِنْ شَهِدَ بِالنِّكَاحِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْر شُرُوطِهِ]

(٨٤٥٢) فَصْلٌ: وَمَنْ شَهِدَ بِالنِّكَاحِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شُرُوطِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي شُرُوطِهِ، فَيَجِبُ ذِكْرُهَا، لِئَلَّا يَكُونَ الشَّاهِدُ يَعْتَقِدُ أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ، وَهُوَ فَاسِدٌ. وَإِنْ شَهِدَ بِعَقْدٍ سِوَاهُ؛ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، يُشْتَرَطُ ذِكْرُهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي شُرُوطِهِ، فَاشْتِرَاطُ ذِكْرِهَا كَالنِّكَاحِ.

وَالثَّانِيَةُ، لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهَا فِي الدَّعْوَى، فَكَذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ بِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ. وَإِنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَنَّهُ شَرِبَ مِنْ ثَدْيِهَا، أَوْ مِنْ لَبَنٍ حُلِبَ مِنْهُ، وَعَدَدِ الرَّضَعَاتِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي عَدَدِ الرَّضَعَاتِ، وَفِي الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ. وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ الرَّضَاعِ، لَمْ يَكْفِ؛ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ ابْنَهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ. وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ، فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الْقَتْلِ، فَيَقُولُ: جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ، أَوْ ضَرَبَهُ بِكَذَا فَقَتَلَهُ. وَلَوْ قَالَ: ضَرَبَهُ فَمَاتَ.

لَمْ يُحْكَمْ بِذَلِكَ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِغَيْرِ هَذَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ اتَّكَأَ عَلَيْهِ بِمِرْفَقِهِ، فَمَاتَ، فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: فَمَاتَ مِنْهُ، أَوْ فَقَتَلَهُ؟ فَأَعَادَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَأَعَادَ عَلَيْهِ شُرَيْحٌ سُؤَالَهُ، فَلَمْ يَقُلْ: فَقَتَلَهُ. وَلَا: فَمَاتَ مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: قُمْ، فَلَا شَهَادَةَ لَك. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَمَنْ شَهِدَ بِالزِّنَى، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الزَّانِي، وَالْمَزْنِيِّ بِهَا، وَمَكَانِ الزِّنَى، وَصِفَتِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الزِّنَى يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَقَدْ يَعْتَقِدُ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِزِنًى زِنًى، فَاعْتُبِرَ ذِكْرُ صِفَتِهِ؛ لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ، وَاعْتُبِرَ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ؛ لِئَلَّا تَكُونَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ، أَوْ لَهُ فِي وَطْئِهَا شُبْهَةٌ، وَذِكْرُ الْمَكَانِ؛ لِئَلَّا تَكُونَ الشَّهَادَةُ مِنْهُمْ عَلَى فِعْلَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>