الْوَطْءَ، لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ فِي الْجَوَارِي، كَالْبَيْعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَعَدَمُ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ لَيْسَ بِشَيْءِ، عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوَاضِعِهِ. وَعَدَمُ نَقْلِهِ لَيْسَ بِحَجَّةِ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَيَوَانَاتِ لَمْ يُنْقَلْ قَرْضُهَا، وَهُوَ جَائِزٌ.
[فَصْلٌ اقْتَرَضَ دَرَاهِم أَوْ دَنَانِير غَيْرَ مَعْرُوفَةِ الْوَزْن]
(٣٢٦٠) فَصْلٌ: وَإِذَا اقْتَرَضَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرَ مَعْرُوفَةِ الْوَزْنِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ فِيهَا يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ الْمِثْلُ لَمْ يُمْكِنْ الْقَضَاءُ. وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَرَضَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا جُزَافًا، لَمْ يَجُزْ؛ لِذَلِكَ. وَلَوْ قَدَّرَهُ بِمِكْيَالٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ صَنْجَةٍ بِعَيْنِهَا، غَيْرِ مَعْرُوفَيْنِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ تَلَفَ ذَلِكَ، فَيَتَعَذَّرَ رَدُّ الْمِثْلِ، فَأَشْبَهَ السَّلَمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي مَاءٍ بَيْنَ قَوْمٍ، لَهُمْ نُوَبٌ فِي أَيَّامٍ مُسَمَّاةٍ، فَاحْتَاجَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنْ يَسْتَقِيَ فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ، فَاسْتَقْرَضَ مِنْ نَوْبَةِ غَيْرِهِ، لِيَرُدَّ عَلَيْهِ بَدَلَهُ فِي يَوْمِ نَوْبَتِهِ: فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْدُودٍ كَرِهْته. فَكَرِهَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ مِثْلِهِ. وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ يَتَعَامَلُ بِهَا عَدَدًا، فَاسْتَقْرَضَ عَدَدًا، رَدَّ عَدَدًا. وَإِنْ اسْتَقْرَضَ وَزْنًا. رَدَّ وَزْنًا. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَاسْتَقْرَضَ أَيُّوبُ مِنْ حَمَّادِ بْن زَيْدٍ دَرَاهِمَ بِمَكَّةَ عَدَدًا، وَأَعْطَاهُ بِالْبَصْرَةِ عَدَدًا، لِأَنَّهُ وَفَّاهُ مِثْلَمَا اقْتَرَضَ فِيمَا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهَا وَزْنًا. فَرَدَّ وَزْنًا.
[فَصْلٌ رَدُّ الْمِثْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ]
(٣٢٦١) فَصْلٌ: وَيَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا، مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ، فَرُدَّ عَلَيْهِ مِثْلُهُ، أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَأَنَّ لِلْمُسَلِّفِ أَخْذَ ذَلِكَ. وَلِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ بِمِثْلِهِ. فَكَذَا هَاهُنَا. فَأَمَّا غَيْرُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، فَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ، كَحَالِ الْإِتْلَافِ وَالْغَصْبِ.
وَالثَّانِي، يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَرَدَّ مِثْلَهُ.» وَيُخَالِفُ الْإِتْلَافَ؛ فَإِنَّهُ لَا مُسَامَحَةَ فِيهِ، فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ، لِأَنَّهَا أُحْصَرُ، وَالْقَرْضُ أَسْهَلُ، وَلِهَذَا جَازَتْ النَّسِيئَةُ فِيهِ فِيمَا فِيهِ الرِّبَا، وَيَعْتَبِرُ مِثْلَ صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا، فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْمِثْلِ إنَّمَا تُوجَدُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ الْمِثْلُ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَعَذَّرَ الْمِثْلُ، لِأَنَّ الْقِيمَةَ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ حِينَئِذٍ. وَإِذَا قُلْنَا: تَجِبُ الْقِيمَةُ. وَجَبَتْ حِينَ الْقَرْضِ. لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ.
[فَصْلٌ قَرْضُ الْخُبْزِ]
(٣٢٦٢) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ قَرْضُ الْخُبْزِ. وَرَخَّصَ فِيهِ أَبُو قِلَابَةَ وَمَالِكٌ. وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَلَنَا، أَنَّهُ مَوْزُونٌ، فَجَازَ قَرْضُهُ، كَسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ. وَإِذَا أَقْرَضَهُ بِالْوَزْنِ، وَرَدَّ مِثْلَهُ بِالْوَزْنِ، جَازَ. وَإِنْ أَخَذَهُ عَدَدًا، فَرَدَّهُ عَدَدًا، فَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْمَوْزُونَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute