[فَصْلٌ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فِي تَصَرُّفٍ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ الِانْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ]
(٣٧٤٧) فَصْلٌ: وَإِذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فِي تَصَرُّفٍ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ الِانْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ. فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ مَا أَذِنَ فِيهِ مُوَكِّلُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَإِنْ وَكَّلَهُمَا فِي حِفْظِ مَالِهِ، حَفِظَاهُ مَعًا فِي حِرْزٍ لَهُمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: افْعَلَا كَذَا. يَقْتَضِي اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى فِعْلِهِ، وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُ، فَتَعَلَّقَ بِهِمَا.
وَفَارَقَ هَذَا قَوْلَهُ: بِعْتُكُمَا. حَيْثُ كَانَ مُنْقَسِمًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُ الْمِلْكِ لَهُمَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ، فَانْقَسَمَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ غَابَ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ، لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ، وَلَا لِلْحَاكِمِ ضَمُّ أَمِينٍ إلَيْهِ لِيَتَصَرَّفَا؛ لِأَنَّ الْمُوَكَّلَ رَشِيدٌ جَائِزُ التَّصَرُّفِ، لَا وِلَايَةَ لِلْحَاكِمِ عَلَيْهِ، فَلَا يَضُمُّ الْحَاكِمُ وَكِيلًا لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. وَفَارَقَ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ، حَيْثُ يُضِيفُ الْحَاكِمُ إلَى الْوَصِيِّ أَمِينًا لِيَتَصَرَّفَ؛ لِكَوْنِ الْحَاكِمِ لَهُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَالْيَتِيمِ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ، أَقَامَ الْحَاكِمُ أَمِينًا فِي النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ.
وَإِنْ حَضَرَ الْحَاكِمَ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ، وَالْآخَرُ غَائِبٌ، وَادَّعَى الْوَكَالَةَ لَهُمَا، وَأَقَامَ بَيِّنَةً سَمِعَهَا الْحَاكِمُ، وَحَكَمَ بِثُبُوتِ الْوَكَالَةِ لَهُمَا، وَلَمْ يَمْلِكْ الْحَاضِرُ التَّصَرُّفَ وَحْدَهُ، فَإِذَا حَضَرَ الْآخَرُ تَصَرَّفَا مَعًا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ سَمِعَهَا لَهُمَا مَرَّةً. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا حُكْمٌ لِلْغَائِبِ. قُلْنَا: يَجُوزُ تَبَعًا لِحَقِّ الْحَاضِرِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْوَقْفِ الَّذِي يَثْبُتُ لِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ لِأَجْلِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فِي الْحَالِ، كَذَا هَاهُنَا. وَإِنْ جَحَدَ الْغَائِبُ الْوَكَالَةَ، أَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ.
وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَجَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ فِي هَذَا سَوَاءٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا وَكَّلَهُمَا فِي خُصُومَةٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ أَحَدِهِمَا، أَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ.
[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكَّلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ]
(٣٧٤٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكَّلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ) لَا يَخْلُو التَّوْكِيلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا، أَنْ يَنْهَى الْمُوَكِّلُ وَكِيلَهُ عَنْ التَّوْكِيلِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّ مَا نَهَاهُ عَنْهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي إذْنِهِ. فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوَكِّلْهُ.
الثَّانِي، أَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ، فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ أَذِنَ لَهُ فِيهِ، فَكَانَ لَهُ فِعْلُهُ، كَالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَيْنِ خِلَافًا. وَإِنْ قَالَ لَهُ: وَكَّلْتُك فَاصْنَعْ مَا شِئْت. فَلَهُ أَنْ يُوَكَّلَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ لَهُ التَّوْكِيلُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ يَقْتَضِي تَصَرُّفًا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ: اصْنَعْ مَا شِئْت. يَرْجِعُ إلَى مَا يَقْتَضِيه التَّوْكِيلُ مِنْ تَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute