وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: إنْ كَانَا صَائِمَيْنِ صَوْمَ رَمَضَانَ، لَمْ يَكْمُلْ الصَّدَاقُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ، كَمَلَ. قَالَ أَبُو دَاوُد سَمِعْت أَحْمَدَ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ، وَهُمَا صَائِمَانِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَأَغْلَقَ الْبَابَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ؟ قَالَ: وَجَبَ الصَّدَاقُ. قِيلَ لِأَحْمَدَ فَشَهْرُ رَمَضَانَ؟ قَالَ: شَهْرُ رَمَضَانَ خِلَافٌ لِهَذَا. قِيلَ لَهُ: فَكَانَ مُسَافِرًا فِي رَمَضَانَ. قَالَ: هَذَا مُفْطِرٌ يَعْنِي وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَانِعُ مُتَأَكِّدًا، كَالْإِحْرَامِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ، لَمْ يَكْمُلْ الصَّدَاقُ.
وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ الْمَانِعُ لَا يَمْنَعُ دَوَاعِيَ الْوَطْءِ، كَالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ، وَالرَّتْقِ، وَالْمَرَضِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَجَبَ الصَّدَاقُ، وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ دَوَاعِيَهُ، كَالْإِحْرَامِ، وَصِيَامِ الْفَرْضِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهَا، لَمْ يَسْتَقِرَّ الصَّدَاقُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ؛ صِيَامُ فَرْضٍ أَوْ إحْرَامٌ، لَمْ يَسْتَقِرَّ الصَّدَاقُ، وَإِنْ كَانَ جَبًّا أَوْ عُنَّةً، كَمَلَ الصَّدَاقُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهَا، فَكَمَلَ حَقُّهَا، كَمَا يَلْزَمُ الصَّغِيرَ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيْهِ.
[فَصْلٌ خَلَا بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا]
(٥٦١٨) فَصْلٌ: وَإِنْ خَلَا بِهَا، وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، أَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَمَنَعَتْهُ نَفْسَهَا، أَوْ كَانَ أَعْمَى فَلَمْ يَعْلَمْ بِدُخُولِهَا عَلَيْهِ، لَمْ يَكْمُلْ صَدَاقُهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي الْمَكْفُوفِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ، فَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ، فَأُرْخِيَ السِّتْرُ وَأُغْلِقَ الْبَابُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِدُخُولِهَا عَلَيْهِ، فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَأَوْمَأَ إلَى أَنَّهَا إذَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ، أَوْ مَنَعَتْهُ نَفْسَهَا، لَا يَكْمُلُ صَدَاقُهَا. وَذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّمَكُّنُ مِنْ جِهَتِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَخْلُ بِهَا. وَكَذَلِكَ إنْ خَلَا بِهَا، وَهُوَ طِفْلٌ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ، لَمْ يَكْمُلْ الصَّدَاقُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّغِيرَةِ فِي عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ.
[فَصْل الْخَلْوَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ]
(٥٦١٩) فَصْلٌ: وَالْخَلْوَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُوجِبُهُ الْوَطْءُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلِ الدُّخُولِ، فَأَشْبَهَ ذَلِكَ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ فِيهِ كَالْخَلْوَةِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْخَلْوَةِ فِيهِ كَالِابْتِدَاءِ بِذَلِكَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَيَتَقَرَّرُ بِهِ الْمَهْرُ كَالصَّحِيحِ، وَالْأُولَى أَوْلَى.
[فَصْلٌ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَتِهِ بِمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ]
(٥٦٢٠) فَصْلٌ: فَإِنْ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَتِهِ بِمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ، كَالْقُبْلَةِ وَنَحْوهَا، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَكْمُلُ بِهِ الصَّدَاقُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا أَخَذَهَا فَمَسَّهَا، وَقَبَضَ عَلَيْهَا، مِنْ غَيْر أَنْ يَخْلُوَ بِهَا، لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا إذَا نَالَ مِنْهَا شَيْئًا لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ مُهَنَّا: إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَنَظَرَ إلَيْهَا وَهِيَ عُرْيَانَةُ تَغْتَسِلُ، أُوجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ. وَرَوَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ: إذَا اطَّلَعَ مِنْهَا عَلَى مَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ، فَهُوَ كَالْقُبْلَةِ.
قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِذَلِكَ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَيَكُونُ فِي تَكْمِيلِ الصَّدَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute