الدَّرَجَةُ لِأَجَلِهِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ مِرْفَقًا يُجْعَلُ فِيهِ جُبُّ الْمَاءِ وَنَحْوُهُ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ؛ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِأَجْلِهِ وَحْدَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهَا، وَانْتِفَاعَهُمَا حَاصِلٌ بِهَا، فَهِيَ كَالسَّقْفِ.
[فَصْلٌ تَنَازَعَا مُسَنَّاةً بَيْنَ نَهْرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْضِ الْآخَرِ]
(٣٥٤٠) فَصْلٌ: وَلَوْ تَنَازَعَا مُسَنَّاةً بَيْنَ نَهْرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْضِ الْآخَرِ، تَحَالَفَا، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا حَاجِزٌ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا، فَهِيَ كَالْحَائِطِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ.
[فَصْلٌ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ مُشْتَرَكٌ فَانْهَدَمَ]
(٣٥٤١) فَصْلٌ: إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا إعَادَتَهُ فَأَبَى الْآخَرُ مُشْتَرَكٌ، فَانْهَدَمَ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا إعَادَتَهُ، فَأَبَى الْآخَرُ، فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى إعَادَتِهِ؟ قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يُجْبَرُ. نَقَلَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَحَرْبٌ، وَسِنْدِي. قَالَ الْقَاضِي: هِيَ أَصَحُّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَعَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُنَا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَدِيمِ قَوْلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَصَحَّحَهُ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ بِنَائِهِ إضْرَارًا، فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ، كَمَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ إذَا طَلَبَهَا أَحَدُهُمَا، وَعَلَى النَّقْضِ إذَا خِيفَ سُقُوطُهُ عَلَيْهِمَا، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا إضْرَارَ» . وَهَذَا وَشَرِيكُهُ يَتَضَرَّرَانِ فِي تَرْكِ بِنَائِهِ. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة، لَا يُجْبَرُ.
نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ مَالِكُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ بِنَاءُ حَائِطٍ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، كَالِابْتِدَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يُجْبَرَ عَلَى بِنَائِهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ، أَوْ لِحَقِّ جَارِهِ، أَوْ لِحَقَّيْهِمَا جَمِيعًا، لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ انْفَرَدَ بِهِ، وَلَا لِحَقِّ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهِ جَارُهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجَبًا عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَا. وَفَارَقَ الْقِسْمَةَ، فَإِنَّهَا دَفْعٌ لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَالْبِنَاءُ فِيهِ مَضَرَّةٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَامَةِ وَإِنْفَاقِ مَالِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إجْبَارِهِ عَلَى إزَالَةِ الضَّرَرِ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، إجْبَارُهُ عَلَى إزَالَتِهِ بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ، بِدَلِيلِ قِسْمَةِ مَا فِي قِسْمَتِهِ ضَرَرٌ.
وَيُفَارِقُ هَدْمَ الْحَائِطِ إذَا خِيفَ سُقُوطُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ سُقُوطَ حَائِطِهِ عَلَى مَا يُتْلِفُهُ، فَيُجْبَرُ عَلَى مَا يُزِيلُ ذَلِكَ، وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْفَرَدَ بِالْحَائِطِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي تَرْكِهِ إضْرَارًا، فَإِنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا حَصَلَ بِانْهِدَامِهِ، وَإِنَّمَا تَرْكُ الْبِنَاءِ تَرْكٌ لِمَا يَحْصُلُ النَّفْعُ بِهِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنْهُ، بِدَلِيلِ حَالَةِ الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ إضْرَارٌ، لَكِنْ فِي الْإِجْبَارِ إضْرَارٌ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُمْتَنِعُ لَا نَفْعَ لَهُ فِي الْحَائِطِ، أَوْ يَكُونُ الضَّرَرُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ النَّفْعِ، أَوْ يَكُونُ مُعْسِرًا لَيْسَ مَعَهُ مَا يَبْنِي بِهِ، فَيُكَلَّفُ الْغَرَامَةَ مَعَ عَجْزِهِ عَنْهَا، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُجْبَرْ، فَإِنْ أَرَادَ شَرِيكُهُ الْبِنَاءِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَمْلِ وَرَسْمًا، فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَلَهُ بِنَاؤُهُ بِأَنْقَاضِهِ إنْ شَاءَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute