عُهْدَتِهِمَا، فَصَوَّبَهُ عُمَرُ، وَقَالَ: هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ حِينَ قَرَنَتْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ حَلَّتْ مِنْهُمَا: «قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك» .
وَإِنَّمَا أَعْمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ التَّنْعِيمِ قَصْدًا لِتَطْيِيبِ قَلْبِهَا، وَإِجَابَةِ مَسْأَلَتِهَا، لَا لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهَا. ثُمَّ إنْ لَمْ تَكُنْ أَجْزَأَتْهَا عُمْرَةُ الْقِرَانِ، فَقَدْ أَجْزَأَتْهَا الْعُمْرَةُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، وَهُوَ أَحَدُ مَا قَصَدْنَا الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ أَتَى بِهَا صَحِيحَةً، فَتُجْزِئُهُ، كَعُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ. وَلِأَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ أَحَدُ نُسُكَيْ الْقِرَانِ، فَأَجْزَأَتْ، كَالْحَجِّ، وَالْحَجُّ مِنْ مَكَّةَ يُجْزِئُ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ، فَالْعُمْرَةُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ فِي حَقِّ الْمُفْرِدِ أَوْلَى. وَإِذَا كَانَ الطَّوَافُ الْمُجَرَّدُ يُجْزِئُ عَنْ الْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ، فَلَأَنْ تُجْزِئَ الْعُمْرَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الطَّوَافِ وَغَيْرِهِ أَوْلَى.
[فَصْل لَا بَأْس أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا]
(٢٢١٢) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَكَرِهَ الْعُمْرَةَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمَالِكٌ.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ: مَا كَانُوا يَعْتَمِرُونَ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ. وَلَنَا، أَنَّ عَائِشَةَ اعْتَمَرَتْ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمْرَةً مَعَ قِرَانِهَا، وَعُمْرَةً بَعْدَ حَجِّهَا، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كُلٍّ شَهْرٍ مَرَّةً.
وَكَانَ أَنَسٌ إذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ. رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ، فِي (مُسْنَدِهِ) . وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْتَمِرُ إذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِنْ شَعْرِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَاءَ اعْتَمَرَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ. فَأَمَّا الْإِكْثَارُ مِنْ الِاعْتِمَارِ، وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا، فَلَا يُسْتَحَبُّ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ السَّلَفِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ: إذَا اعْتَمَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْسِ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: إنْ شَاءَ اعْتَمَرَ فِي كُلِّ شَهْرٍ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاعْتِمَارِ. وَأَقْوَالُ السَّلَفِ وَأَحْوَالُهُمْ تَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا نُقِلَ عَنْهُمْ إنْكَارُ ذَلِكَ، وَالْحَقُّ فِي اتِّبَاعِهِمْ. قَالَ طَاوُسٌ: الَّذِينَ يَعْتَمِرُونَ مِنْ التَّنْعِيمِ، مَا أَدْرِي يُؤْجَرُونَ عَلَيْهَا أَوْ يُعَذَّبُونَ؟ قِيلَ لَهُ: فَلِمَ يُعَذَّبُونَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَدَعُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَيَخْرُجُ إلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute