لَمْ أَرُدُّ أَمَانَهُ. نَظَرْنَا فِي الْكَافِرِ، فَإِنْ قَالَ: اعْتَقَدْته أَمَانًا رُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ، وَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ أَمَانًا فَلَيْسَ بِأَمَانٍ، كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهِمْ بِمَا اعْتَقَدُوهُ أَمَانًا.
[فَصْلٌ الْأَمَانُ بِالْإِشَارَةِ]
(٧٦٣١) فَصْلٌ: فَإِنْ أَشَارَ الْمُسْلِمُ إلَيْهِمْ بِمَا يَرَوْنَهُ أَمَانًا وَقَالَ: أَرَدْت بِهِ الْأَمَانَ فَهُوَ أَمَانٌ وَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْأَمَانَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ فَإِنْ خَرَجَ الْكُفَّارُ مِنْ حِصْنِهِمْ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْإِشَارَةِ، لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ، وَلَكِنْ يَرُدُّونَ إلَى مَأْمَنِهِمْ.
قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ إلَى السَّمَاءِ إلَى مُشْرِكٍ، فَنَزَلَ بِأَمَانِهِ، فَقَتَلَهُ، لَقَتَلْته بِهِ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَإِنْ مَاتَ الْمُسْلِمُ أَوْ غَابَ، فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَ إلَى مَأْمَنِهِمْ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ صَحَّحْتُمْ الْأَمَانَ بِالْإِشَارَةِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ؟ قُلْنَا: تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، كَمَا حُقِنَ دَمُ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ، تَغْلِيبًا لِحَقْنِ دَمِهِ، وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ فِي الْغَالِبِ لَا يَفْهَمُونَ كَلَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَفْهَمُونَ كَلَامَهُمْ، فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّكْلِيمِ بِالْإِشَارَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ
[فَصْلٌ سُبِيَتْ كَافِرَةٌ وَجَاءَ ابْنه يَطْلُبهَا]
(٧٦٣٢) فَصْلٌ: إذَا سُبِيَتْ كَافِرَةٌ، فَجَاءَ ابْنُهَا يَطْلُبُهَا، وَقَالَ: إنَّ عِنْدِي أَسِيرًا مُسْلِمًا فَأَطْلِقُوهَا حَتَّى أُحْضِرَهُ. فَقَالَ الْإِمَامُ: أَحْضِرْهُ فَأَحْضَرَهُ، لَزِمَ إطْلَاقُهَا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا إجَابَتُهُ إلَى مَا سَأَلَ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: لَمْ أُرِدْ إجَابَتَهُ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَرْكِ أَسِيرِهِ، وَرُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: يُطْلَقُ الْأَسِيرُ، وَلَا تُطْلَقُ الْمُشْرِكَةُ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ حُرٌّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِمَمْلُوكَةٍ وَيُقَالُ لَهُ: إنْ اخْتَرْت شِرَاءَهَا، فَأْتِ بِثَمَنِهَا وَلَنَا، أَنَّ هَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ الشَّرْطُ، فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ فَهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَبَنَى عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَهِمَ الْأَمَانَ مِنْ الْإِشَارَةِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْحُرَّ لَا يَكُونُ ثَمَنَ مَمْلُوكَةٍ.
قُلْنَا: لَكِنْ يَصِحُّ أَنْ يُفَادَى بِهَا، فَقَدْ فَادَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَسِيرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ بِرَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَفَادَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَسِيرٍ مِنْ الْكُفَّارِ، وَوَفَّى لَهُمْ بِرَدِّ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا، وَقَالَ: «إنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ» وَإِنْ كَانَ رَدُّ الْمُسْلِمِ إلَيْهِمْ لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُمْ، وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ إطْلَاقَهَا، فَلَزِمَهُ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَقَوْلِهِ: «إنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ.»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute