[مَسْأَلَةٌ تَرَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيع حَتَّى يُتَمَرَّ]
(٢٨٧٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: فَإِنْ تَرَكَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُتْمِرَ بَطَلَ الْعَقْدُ يَعْنِي إنْ لَمْ يَأْخُذْهَا الْمُشْتَرِي رُطَبًا بَطَلَ الْعَقْدُ، خِلَافًا لِلشَّافِعِي فِي قَوْلِهِ: لَا يَبْطُلُ. وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ثَمَرَةٍ جَازَ بَيْعُهَا رُطَبًا، لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ إذَا صَارَتْ تَمْرًا، كَغَيْرِ الْعَرِيَّةِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» . وَلِأَنَّ شِرَاءَهَا إنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ، فَإِذَا أَتْمَرَتْ تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْحَاجَةِ، فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ. ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْكِهِ لِغِنَاهُ عَنْهَا، أَوْ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهَا، أَوْ تَرْكِهَا لِعُذْرٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِلْخَبَرِ. وَلَوْ أَخَذَهَا رُطَبًا فَتَرَكَهَا عِنْدَهُ فَأَتْمَرَتْ، أَوْ شَمَّسَهَا، حَتَّى صَارَتْ تَمْرًا، جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَهَا.
وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي مَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْلَ بَدْو صَلَاحِهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى بَدَا صَلَاحُهَا، لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ. فَيُخَرَّجُ هَاهُنَا مِثْلُهُ. فَإِنْ أَخَذَ بَعْضَهَا رُطَبًا، وَتَرَكَ بَاقِيَهَا حَتَّى أَتْمَرَ، فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
[فَصْلٌ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ فِي غَيْرِ النَّخِيلِ]
(٢٨٧٤) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ فِي غَيْرِ النَّخِيلِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ، وَقَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا ثَمَرَتُهُ لَا يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ رَطْبِهَا بِيَابِسِهَا؛ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الرِّبَا فِيهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ دُونَ غَيْرِهِمَا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِنَبَ كَالرُّطَبِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِمَا، وَجَوَازِ خَرْصِهِمَا، وَتَوْسِيقِهِمَا، وَكَثْرَةِ تَيْبِيسِهِمَا، وَاقْتِيَاتِهِمَا فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ وَالْحَاجَةِ إلَى أَكْلِ رَطْبِهِمَا، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الشَّيْءِ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي مِثْلِهِ. وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا؛ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ خَرْصُهَا؛ لِتَفَرُّقِهَا فِي الْأَغْصَانِ، وَاسْتِتَارِهَا بِالْأَوْرَاقِ، وَلَا يُقْتَاتُ يَابِسَهَا، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشِّرَاءِ بِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ قِيَاسًا عَلَى ثَمَرَةِ النَّخِيلِ. وَلَنَا، مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ، وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَكُلِّ ثَمَرَةٍ بِخَرْصِهَا.» وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَرِيَّةِ بِالتَّمْرِ.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ» ، وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا، وَعَنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ بِخَرْصِهِ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بَيْعِ الْعَرِيَّةِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ فِي ثَمَرَةِ النَّخِيلِ رُخْصَةً، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهَا عَلَيْهَا لِوَجْهَيْنِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute