وَيَبْرَأُ حَتَّى تَفْطِمَهُ، إذَا كَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ الْحَمْلِ وَكَفَالَةِ الْوَلَدِ إلَى ذَلِكَ، أَوْ أَطْلَقَتْ الْبَرَاءَةَ مِنْ نَفَقَةِ الْحَمْلِ وَكَفَالَتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الْمُطْلَقَةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ الْعِوَضَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَهِيَ مُدَّةُ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَ إذَا كَانَ لَهُ عُرْفٌ، انْصَرَفَ إلَى الْعُرْفِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ، انْصَرَفَ إلَى حَوْلَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: ١٤]
وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: ٢٣٣] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِصَالُهُ قَبْلَ الْعَامَيْنِ إلَّا بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ وَإِنْ قَدَّرَا مُدَّةَ الْبَرَاءَةِ بِزَمَنِ الْحَمْلِ، أَوْ بِعَامِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَهُوَ عَلَى مَا قَدَّرَاهُ، وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ، وَأَبْعَدُ مِنْ اللَّبْسِ وَالِاشْتِبَاه وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ الْحَمْلِ، انْصَرَفَ ذَلِكَ إلَى زَمَنِ الْحَمْلِ قَبْلَ وَضْعِهِ قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا صَحَّ مُخَالَعَتُهَا عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ، وَهِيَ لِلْوَلَدِ دُونَهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمَالِكَةِ لَهَا، لِأَنَّهَا هِيَ الْقَابِضَةُ لَهَا، الْمُسْتَحِقَّةُ لَهَا، الْمُتَصَرِّفَةُ فِيهَا، فَإِنَّهَا فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ هِيَ الْآكِلَةُ لَهَا، الْمُنْتَفِعَةُ بِهَا، وَبَعْدَ الْوِلَادَةِ هِيَ أَجْرُ رَضَاعِهَا لَهُ، وَهِيَ الْآخِذَةُ لَهَا، الْمُتَصَرِّفَةُ فِيهَا أَيْضًا، فَصَارَتْ كَمِلْكٍ مِنْ أَمْلَاكِهَا، فَصَحَّ جَعْلُهَا عِوَضًا
فَأَمَّا النَّفَقَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى هَذَا، مِنْ كِسْوَةِ الطِّفْلِ وَدُهْنِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعَاوَضَ بِهِ فِي الْخُلْعِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ لَهَا، وَلَا هُوَ فِي حُكْمِ مَا هُوَ لَهَا.
[مَسْأَلَةٌ النَّاشِزُ لَا نَفَقَةَ لَهَا]
(٦٥٣٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالنَّاشِزُ لَا نَفَقَةَ لَهَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ، أَعْطَاهَا نَفَقَةَ وَلَدِهَا) مَعْنَى النُّشُوزِ مَعْصِيَتُهَا لِزَوْجِهَا فِيمَا لَهُ عَلَيْهَا، مِمَّا أَوْجَبَهُ لَهُ النِّكَاحُ، وَأَصْلُهُ مِنْ الِارْتِفَاعِ، مَأْخُوذٌ مِنْ النَّشْزِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، فَكَأَنَّ النَّاشِزَ ارْتَفَعَتْ عَنْ طَاعَةِ زَوْجِهَا، فَسُمِّيَتْ نَاشِزًا فَمَتَى امْتَنَعَتْ مِنْ فِرَاشِهِ، أَوْ خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الِانْتِقَالِ مَعَهُ إلَى مَسْكَنِ مِثْلِهَا، أَوْ مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَكَمُ: لَهَا النَّفَقَةُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ هَؤُلَاءِ إلَّا الْحَكَمَ، وَلَعَلَّهُ يَحْتَجُّ بِأَنَّ نُشُوزَهَا لَا يُسْقِطُ مَهْرَهَا، فَكَذَلِكَ نَفَقَتُهَا
وَلَنَا، أَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ تَمْكِينِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ، وَإِذَا مَنَعَهَا النَّفَقَةَ كَانَ لَهَا مَنْعُهُ التَّمْكِينَ، فَإِذَا مَنَعَتْهُ التَّمْكِينَ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ النَّفَقَةِ، كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَتُخَالِفُ الْمَهْرَ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَلِذَلِكَ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَهُ، فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِمَعْصِيَتِهَا، كَالْكَبِيرِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهَا إيَّاهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute