يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ إلَّا لِمَنْ عَرَّفَهَا عَامًا، وَتَخْصِيصُهَا بِذَلِكَ لِتَأْكِيدِهَا، لَا لِتَخْصِيصِهَا كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ» . وَضَالَّةُ الذِّمِّيِّ مَقِيسَةٌ عَلَيْهَا.
[فَصْلٌ إذَا الْتَقَطَ لُقَطَةً عَازِمًا عَلَى تَمَلُّكِهَا بِغَيْرِ تَعْرِيفٍ]
(٤٥٠٩) فَصْلٌ: إذَا الْتَقَطَ لُقَطَةً، عَازِمًا عَلَى تَمَلُّكِهَا بِغَيْرِ تَعْرِيفٍ، فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَزِمَهُ ضَمَانُهَا، سَوَاءٌ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطٍ أَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَلَا يَمْلِكُهَا وَإِنْ عَرَّفَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ، فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ. نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهَا بِالتَّعْرِيفِ وَالِالْتِقَاطِ، وَقَدْ وُجِدَ، فَيَمْلِكُهَا بِهِ، كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ، فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ حَائِطًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَاحْتَشَّ أَوْ اصْطَادَ مِنْهُ صَيْدًا، مَلَكَهُ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ مُحَرَّمًا، كَذَا هَاهُنَا
وَلِأَنَّ عُمُومَ النَّصِّ يَتَنَاوَلُ هَذَا الْمُلْتَقَطَ، فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ فِيهِ، وَلِأَنَّنَا لَوْ اعْتَبَرْنَا نِيَّةَ التَّعْرِيفِ وَقْتَ الِالْتِقَاطِ، لَافْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ وَالسَّفِيه؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى هَؤُلَاءِ الِالْتِقَاطُ لِلتَّمَلُّكِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ.
[مَسْأَلَة حُفِّظَ وِكَاء اللُّقَطَة وَعِفَاصَهَا وَحَفِظَ عَدَدَهَا وَصِفَتَهَا]
(٤٥١٠) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَحَفِظَ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، وَحَفِظَ عَدَدَهَا وَصِفَتَهَا) الْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا» . وَقَالَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً» . وَفِي لَفْظٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: «وَجَدْت مِائَةَ دِينَارٍ، فَأَتَيْت بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا. فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا فَلَمْ تُعْرَفْ، فَرَجَعْت إلَيْهِ، فَقَالَ: اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا، وَاخْلِطْهَا بِمَالِك، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ» فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَفِي غَيْرِهِ أَمَرَهُ بِمَعْرِفَتِهَا حِينَ الْتِقَاطِهَا قَبْلَ تَعْرِيفِهَا
وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِيَحْصُلَ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا فَنَعَتَهَا، غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ فَيَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ. وَإِنْ أَخَّرَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ إلَى حِينِ مَجِيءِ بَاغِيهَا، جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِمَعْرِفَتِهَا حِينَئِذٍ. وَإِنْ لَمْ يَجِئْ طَالِبُهَا، فَأَرَادَ التَّصَرُّفَ فِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ حَتَّى يَعْرِفَ صِفَاتهَا؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا تَنْعَدِمُ بِالتَّصَرُّفِ، فَلَا يَبْقَى لَهُ سَبِيلٌ إلَى مَعْرِفَةِ صِفَاتهَا إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا. وَكَذَلِكَ إنْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ، فَيَكُونُ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيٍّ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا عِنْدَ خَلْطِهَا بِمَالِهِ أَمْرَ إيجَابٍ مُضَيِّقٍ، وَأَمْرُهُ لِزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ حِينَ الِالْتِقَاطِ وَاجِبًا مُوَسِّعًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute