عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ بِصِحَّةِ الْخِيَارِ الْمَجْهُولِ.
وَإِنْ قُلْنَا: ابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ. فَشَرَطَا ثُبُوتَهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ فِي الْمَجْلِسِ يُغْنِي عَنْ خِيَارٍ آخَرَ، فَيَمْنَعُ ثُبُوتَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ شَرَطَا الْخِيَارَ إلَى اللَّيْلِ أَوْ الْغَدِ]
(٢٧٨٤) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَا الْخِيَارَ إلَى اللَّيْلِ أَوْ الْغَدِ، لَمْ يَدْخُلْ اللَّيْلُ وَالْغَدُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَدْخُلَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ " إلَى " تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى " مَعَ "، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] ، {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢] ، وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ بِيَقِينِ، فَلَا نُزِيلُهُ بِالشَّكِّ.
وَلَنَا، أَنَّ مَوْضُوعَ " إلَى " لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، فَلَا يَدْخُلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] . وَكَالْأَجَلِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ. أَوْ: لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ. لَمْ يَدْخُلْ الدِّرْهَمُ الْعَاشِرُ، وَالطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَكٌّ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَوْضُوعِهِ، فَكَأَنَّ الْوَاضِعَ قَالَ: مَتَى سَمِعْتُمْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ، فَافْهَمُوا مِنْهَا انْتِهَاءَ الْغَايَةِ.
وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي اسْتَشْهَدُوا بِهَا، حُمِلَتْ عَلَى مَعْنَى " مَعَ " بِدَلِيلِ، أَوْ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهَا عَلَى مَوْضُوعِهَا، كَمَا تُصْرَفُ سَائِرُ حُرُوفِ الصِّلَاتِ عَنْ مَوْضُوعِهَا لِدَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ حَمْلُهَا عَلَى مَوْضُوعِهَا. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا خُولِفَ فِيمَا اقْتَضَاهُ الشَّرْطُ، فَيَثْبُتُ مَا يُتَيَقَّنُ مِنْهُ، وَمَا شَكَكْنَا فِيهِ رَدَدْنَاهُ إلَى الْأَصْلِ.
[فَصْلٌ شَرَطَ الْخِيَارَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ إلَى غُرُوبِهَا]
(٢٧٨٥) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ إلَى غُرُوبِهَا، صَحَّ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَصِحُّ تَوْقِيتُهُ بِطُلُوعِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَغَيَّمُ، فَلَا يُعْلَمُ وَقْتُ طُلُوعِهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْخِيَارِ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ مَعْلُومٍ، فَصَحَّ، كَتَعْلِيقِهِ بِغُرُوبِهَا. وَطُلُوعُ الشَّمْسِ، بُرُوزُهَا مِنْ الْأُفُقِ، كَمَا أَنَّ غُرُوبَهَا سُقُوطُ الْقُرْصِ. وَلِذَلِكَ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ، أَوْ عِتْقَ عَبْدِهِ، بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَعَ بِبُرُوزِهَا مِنْ الْأُفُقِ. وَإِنْ عَرَضَ غَيْمٌ يَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِطُلُوعِهَا، فَالْخِيَارُ ثَابِتٌ حَتَّى يُتَيَقَّنَ طُلُوعُهَا، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِغُرُوبِهَا، فَمَنَعَ الْغَيْمُ الْمَعْرِفَةَ بِوَقْتِهِ.
وَلَوْ جَعَلَ الْخِيَارَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ تَحْتِ السَّحَابِ، أَوْ إلَى غَيْبَتِهَا تَحْتَهُ، كَانَ خِيَارًا مَجْهُولًا، لَا يَصِحُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
[فَصْل شَرَطَا الْخِيَارَ أَبَدًا أَوْ مَتَى شِئْنَا]
(٢٧٨٦) فَصْلٌ: وَإِذَا شَرَطَا الْخِيَارَ أَبَدًا، أَوْ مَتَى شِئْنَا، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: وَلِي الْخِيَارُ. وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّتَهُ، أَوْ شَرَطَاهُ إلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ، كَقُدُومِ زَيْدٍ، أَوْ هُبُوبِ رِيحٍ، أَوْ نُزُولِ مَطَرٍ، أَوْ مُشَاوَرَةِ إنْسَانٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ