إحْدَانَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَا، بَلْ شَرِبْت عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ» . فَنَزَلَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: ١] . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي تَحْرِيمِ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ، كَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ.
قُلْنَا: مَا ذَكَرْنَاهُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ صَاحِبَةِ الْقِصَّةِ الْحَاضِرَةِ لِلتَّنْزِيلِ، الْمُشَاهِدَةِ لِلْحَالِ، أَوْلَى، وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ لَوْ سَمِعَا قَوْلَ عَائِشَةَ، لَمْ يَعْدِلَا بِهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَصِيرَا إلَى غَيْرِهِ، فَكَيْفَ يُصَارُ إلَى قَوْلِهِمَا، وَيُتْرَكُ قَوْلُهَا؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ جَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينًا.
وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ مَارِيَةَ، كَانَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْحَلَالِ الَّذِي حُرِّمَ، وَلَيْسَتْ زَوْجَةً، فَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِتَحْرِيمِهَا يَقْتَضِي وُجُوبَهُ فِي كُلِّ حَلَالٍ حُرِّمَ، بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ حَرَّمَ الْحَلَالَ فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ، كَتَحْرِيمِ الْأَمَةِ وَالزَّوْجَةِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِتَحْرِيمِهَا. وَإِذَا قَالَ: هَذِهِ رَبِيبَتِي. يَقْصِدُ تَحْرِيمَهَا، فَهُوَ ظِهَارٌ.
[مَسْأَلَةٌ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ]
(٧٩٧٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (أَوْ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ، أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، أَوْ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ) هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَسَوَاءٌ نَوَى الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِاَللَّهِ. وَلَمْ يَقُلْ: أُقْسِمُ، وَلَا أَشْهَدُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْفِعْلَ، كَانَ يَمِينًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَمِينًا بِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ مُقَدَّرٍ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِذَا أَظْهَرَ الْفِعْلَ، وَنَطَقَ بِالْمُقَدَّرِ، كَانَ أَوْلَى بِثُبُوتِ حُكْمِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: ١٠٦] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} [الأنعام: ١٠٩] . وَقَالَ: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: ٦] وَيَقُولُ الْمُلَاعِنُ فِي لِعَانِهِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ. وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ. وَأَنْشَدَ أَعْرَابِيٌّ عُمَرَ
أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّهُ
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ ذَكَرَ الْفِعْلَ بِلَفْظِ الْمَاضِي، فَقَالَ: أَقْسَمْت بِاَللَّهِ، أَوْ شَهِدْت بِاَللَّهِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute