يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَدْنَاهُمْ إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَدَهُمْ مِنْهُ، بِحَيْثُ إذَا احْتَاجَ إلَى إشْهَادِهِمْ عَلَى حُكْمِهِ اسْتَدْعَاهُمْ لِيَشْهَدُوا بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، أَجْلَسَهُمْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ حَتَّى يَسْمَعُوا كَلَامَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، لِئَلَّا يُقِرَّ مِنْهُمْ مُقِرٌّ ثُمَّ يُنْكِرَ وَيَجْحَدَ، فَيَحْفَظُوا عَلَيْهِ إقْرَارَهُ، وَيَشْهَدُوا بِهِ.
[فَصْلٌ إذَا اسْتَنَارَتْ الْحُجَّةُ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَتَبَيَّنَ لِلْقَاضِيَّ مَوْضِعُ الظَّالِمِ]
(٨٢٣٥) فَصْلٌ: وَإِذَا اتَّصَلَتْ بِهِ الْحَادِثَةُ، وَاسْتَنَارَتْ الْحُجَّةُ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، حَكَمَ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَبْسٌ، أَمَرَهُمَا بِالصُّلْحِ، فَإِنْ أَبَيَا أَخَّرَهُمَا إلَى الْبَيَانِ، فَإِنَّ عَجَّلَهَا قَبْلَ الْبَيَانِ، لَمْ يَصْلُحْ حُكْمُهُ. وَمِمَّنْ رَأَى الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، شُرَيْحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُحْدِثُ بَيْنَ الْقَوْمِ الضَّغَائِنَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إنَّمَا يَسَعُهُ الصُّلْحُ فِي الْأُمُورِ الْمُشْكِلَةِ، أَمَّا إذَا اسْتَنَارَتْ الْحُجَّةُ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ مَوْضِعُ الظَّالِمِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُمَا عَلَى الصُّلْحِ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ مَا أَصْلَحَ بَيْنَ مُتَحَاكِمَيْنِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
[فَصْلٌ وَإِذَا حَدَثَتْ لِلْقَاضِيَّ حَادِثَةٌ]
(٨٢٣٦) فَصْلٌ: وَإِذَا حَدَثَتْ حَادِثَةٌ نَظَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ وَجَدَهَا، وَإِلَّا نَظَرَ فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا، نَظَرَ فِي الْقِيَاسِ، فَأَلْحَقَهَا بِأَشْبَهِ الْأُصُولِ بِهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ أَخِي الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، وَعَمْرٌو وَالرِّجَالُ مَجْهُولُونَ، إلَّا أَنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمَا، تَلَقَّاهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ، وَجَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ مَا يُوَافِقُهُ، فَرَوَى سَعِيدٌ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِشُرَيْحٍ: اُنْظُرْ مَا يَتَبَيَّنُ لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَدًا، وَمَا لَا يَتَبَيَّنُ لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَاتَّبِعْ فِيهِ السُّنَّةَ، وَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَك فِي السُّنَّةِ، فَاجْتَهِدْ فِيهِ رَأْيَك. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ ذَلِكَ.
[مَسْأَلَة حُكْمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ]
(٨٢٣٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي حَدٍّ وَلَا غَيْرِهِ، لَا فِيمَا عَلِمَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَلَا بَعْدَهَا. هَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَتْ لَهُ هِنْدٌ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute