للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ لِسَيِّدِهِ حَقٌّ فِي مَا بِيَدِهِ؛ لِكَوْنِهِ بِعَرَضِيَّةِ أَنْ يُعَجِّزَهُ، فَيَعُودَ إلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ جَرَيَانَ الرِّبَا بَيْنَهُمَا، كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَلَا النَّسَاءِ فِي مَا يَحْرُمُ النَّسَاءُ فِيهِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ.

[فَصْلٌ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ مِنْ الْكِتَابَةِ وَلِلْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ]

فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنٌ، مِثْلُ إنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ مِنْ الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلِلْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ، وَكَانَا نَقْدًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، حَالَّيْنِ، أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ أَجَلًا وَاحِدًا، تَقَاصَّا، وَتَسَاقَطَا لِأَنَّهُمَا إذَا تَسَاقَطَا بَيْنَ الْأَجَانِبِ، فَمَعَ السَّيِّدِ وَمُكَاتَبِهِ أَوْلَى. وَإِنْ كَانَا نَقْدَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ، كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَلِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ، فَجَعَلَهَا قِصَاصًا بِهَا، جَازَ، بِخِلَافِ الْحُرَّيْنِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ، كَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَفَارَقَ الْعَبْدَ الْقِنَّ؛ فَإِنَّهُ بَاقٍ فِي تَصَرُّفِ سَيِّدِهِ، وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ خَالِصٌ لِسَيِّدِهِ، لَهُ أَخْذُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ. فَعَلَى هَذَا، لَا يَجُوزُ مَعَ التَّرَاضِي بِهِ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي مُوسَى: يَجُوزُ إذَا تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، وَتَبَايَعَاهُ، وَلَا يَثْبُتُ التَّقَابُضُ قَبْلَ تَرَاضِيهِمَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ؛ فَأَمَّا إنْ كَانَا عَرْضَيْنِ، أَوْ عَرْضًا وَنَقْدًا، لَمْ تَجُزْ الْمُقَاصَّةُ فِيهِمَا بِغَيْرِ تَرَاضِيهِمَا بِحَالٍّ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَرْضُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ. وَإِنْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ.

وَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ حَقَّهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى الْآخَرِ عِوَضًا عَنْ مَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ، جَازَ، إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ عَنْ سَلَمٍ، فَإِنْ ثَبَتَ عَنْ سَلَمٍ، لَمْ يَجُزْ أَخْذُ عِوَضِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَفِي الْجُمْلَةِ، إنَّ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ مَعَ سَيِّدِهِ فِي هَذَا، حُكْمُ الْأَجَانِبِ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ وَطْءُ الرَّجُلِ مُكَاتَبَتَهُ]

(٨٧٤٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ مُكَاتَبَتَهُ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ: (٨٧٤٤) الْفَصْلِ الْأَوَّلِ: فِي وَطْئِهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَهُوَ حَرَامٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>