للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

ِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْحَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْخِرَقِيِّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤] . يَعْنِي نَحْوَهُ، كَمَا أَنْشَدُوا

أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ عَنَّا رَسُولًا ... وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَةُ شَطْرَ عَمْرِو

أَيْ نَحْوَ عَمْرٍو. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يُشَاطِرُونَنَا. إذَا كَانَتْ بُيُوتُهُمْ تُقَابِلُ بُيُوتَهُمْ.

وَقَالَ عَلِيٌّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: شَطْرَهُ قِبَلَهُ وَرُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ إنَّهُ وُجِّهَ إلَى الْكَعْبَةِ فَمَرَّ رَجُلٌ، وَكَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وُجِّهَ إلَى الْكَعْبَةِ. فَانْحَرَفُوا إلَى الْكَعْبَةِ» . أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ.

[مَسْأَلَة إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ وَهُوَ مَطْلُوبٌ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ إلَى الْقِبْلَةِ]

(٦٠٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ (وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ وَهُوَ مَطْلُوبٌ، ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ إلَى الْقِبْلَةِ، وَصَلَّى إلَى غَيْرِهَا رَاجِلًا وَرَاكِبًا، يُومِئُ إيمَاءً عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ، وَيَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَى الْقِبْلَةِ، أَوْ احْتَاجَ إلَى الْمَشْيِ، أَوْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ؛ إمَّا لِهَرَبٍ مُبَاحٍ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ سَيْلٍ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ حَرِيقٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ إلَّا بِالْهَرَبِ، أَوْ الْمُسَابَقَةِ، أَوْ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، وَالْحَاجَةِ إلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ وَالطَّعْنِ وَالضَّرْبِ وَالْمُطَارَدَةِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، رَاجِلًا وَرَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ - إنْ أَمْكَنَ -، أَوْ إلَى غَيْرِهَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ.

وَإِذَا عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَوْمَأَ بِهِمَا، وَيَنْحَنِي إلَى السُّجُودِ أَكْثَرَ مِنْ الرُّكُوعِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ، سَقَطَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ أَوْ غَيْرِهِمَا، سَقَطَ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ وَالْكَرِّ وَالْفَرِّ، فَعَلَ ذَلِكَ. وَلَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: ٢٣٩] . وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ «ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا، قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا» . قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَإِذَا أَمْكَنَ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إلَى الْقِبْلَةِ، فَهَلْ يَجِبُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَجِبْ الِاسْتِقْبَالُ فِيهِ، كَبَقِيَّةِ أَجْزَائِهَا. قَالَ: وَبِهِ أَقُولُ

وَالثَّانِيَةُ، يَجِبُ؛ لِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَانَ فِي السَّفَرِ، فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>