وَلَنَا، أَنَّ هَذَا تَعْجِيلٌ لِلنَّفَقَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةً زِيَادَةً عَلَى شَهْرٍ.
[فَصْلٌ غَيَّبَ مَالَهُ وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ وَلَمْ يَقْدِرْ الْحَاكِمُ لَهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ فَهَلْ لِزَوْجَتِهِ نَفَقَةٌ]
(٦٤٧٤) فَصْل: وَإِنْ غَيَّبَ مَالُهُ، وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ، وَلَمْ يَقْدِرْ الْحَاكِمُ لَهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ، فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ فِي الْمُعْسِرِ لِعَيْبِ الْإِعْسَارِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا، وَلِأَنَّ الْمُوسِرَ فِي مَظِنَّةِ إمْكَانِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ، وَإِذَا امْتَنَعَ فِي يَوْمٍ، فَرُبَّمَا لَا يَمْتَنِعُ فِي الْغَدِ، بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ.
وَلَنَا، أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا. وَهَذَا إجْبَارٌ عَلَى الطَّلَاقِ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِنْفَاقِ، وَلِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ مُتَعَذِّرٌ، فَكَانَ لَهَا الْخِيَارُ، كَحَالِ الْإِعْسَارِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ الْفَسْخُ عَلَى الْمَعْذُورِ، فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ فِي الصَّبْرِ ضَرَرًا أَمْكَنَ إزَالَتُهُ بِالْفَسْخِ، فَوَجَبَتْ إزَالَتُهُ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَعَذُّرٍ يَجُوزُ الْفَسْخُ، فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْن الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، كَأَدَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الْفَسْخِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا، وَبَيْنَ أَنْ يَهْرُبَ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ، وَعَيْبُ الْإِعْسَارِ إنَّمَا جَوَّزَ الْفَسْخَ لِتَعَذُّرِ الْإِنْفَاقِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَرَضَ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا، أَوْ تَبَرَّعَ لَهُ إنْسَانٌ بِدَفْعِ مَا يُنْفِقُهُ لَمْ تَمْلِكْ الْفَسْخَ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُنْفِقَ فِيمَا بَعْدَ هَذَا. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ الْمُعْسِرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُغْنِيَهُ اللَّهُ، وَأَنْ يَقْتَرِضَ، أَوْ يُعْطَى مَا يُنْفِقُهُ، فَاسْتَوَيَا.
[فَصْلٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ]
(٦٤٧٥) فَصْلٌ: وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ، وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْتَسِبَ عَلَيْهَا بِدَيْنِهِ مَكَانَ نَفَقَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً، فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ أَيِّ أَمْوَالِهِ شَاءَ، وَهَذَا مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْفَاضِلِ مِنْ قُوتِهِ، وَهَذَا لَا يَفْضُلُ عَنْهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِإِنْظَارِ الْمُعْسِرِ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] . فَيَجِبُ إنْظَارُهَا بِمَا عَلَيْهَا.
[فَصْلٌ كُلُّ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَحِقُّ لِلزَّوْجَةِ فَسْخُ النِّكَاحِ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ تَرْجِعُ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ]
(٦٤٧٦) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ ثَبَتَ لَهَا الْفَسْخُ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ، لَمْ يَجُزْ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَافْتَقَرَ إلَى الْحَاكِمِ، كَالْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّفْرِيقُ إلَّا أَنْ تَطْلُبَ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّهَا، فَلَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهَا، كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ. فَإِذَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ فَسْخٌ لَا رَجْعَةَ لَهُ فِيهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute