فِي الْأُسْبُوعِ كُلِّهِ، لَمْ يَثْبُتْ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ هَذَا يَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِهِ فِي جَمِيعِ زَمَانِهِ. وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْكَسْبُ فِي بَعْضِ زَمَانِهِ، أَوْ تَعَذَّرَ الْبَيْعُ لَمْ يَثْبُتْ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاقْتِرَاضُ إلَى زَوَالِ الْعَارِضِ، وَحُصُولِ الِاكْتِسَابِ. وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاقْتِرَاضِ أَيَّامًا يَسِيرَةً لَمْ يَثْبُتْ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَزُولُ عَنْ قُرْبٍ، وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ.
وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا يُرْجَى زَوَالُهُ فِي أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ، لَمْ يُفْسَخْ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَطُولُ، فَلَهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ الْغَالِبَ يَلْحَقُهَا، وَلَا يُمْكِنُهَا الصَّبْرُ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَا يَجِدُ مِنْ النَّفَقَةِ إلَّا يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ، فَلَهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا الصَّبْرُ عَلَى هَذَا، وَيَكُونُ بِمَثَابَةِ مَنْ لَا يَجِدُ إلَّا بَعْضَ الْقُوتِ. وَإِنْ أَعْسَرَ بِبَعْضِ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ، ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يَقُومُ بِمَا دُونَهَا. وَإِنْ أَعْسَرَ بِمَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ تَسْقُطُ بِإِعْسَارِهِ، وَيُمْكِنُ الصَّبْرُ عَنْهَا، وَيَقُومُ الْبَدَنُ بِمَا دُونِهَا.
وَإِنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْسَرَ بِالْأُدْمِ. وَإِنْ أَعْسَرَ بِالْكِسْوَةِ، فَلَهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَلَا يُمْكِنُ الصَّبْرُ عَنْهَا، وَلَا يَقُومُ الْبَدَنُ بِدُونِهَا. وَإِنْ أَعْسَرَ بِأُجْرَةِ الْمَسْكَنِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ. وَالثَّانِي، لَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْبِنْيَةَ تَقُومُ بِدُونِهِ. وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي ذَكَره الْقَاضِي. وَإِنْ أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ يَقُومُ الْبَدَنُ بِدُونِهَا، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ الدُّيُونِ. الْحَالُ الثَّانِي، أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ مَعَ يَسَارِهِ؛ فَإِنْ قَدَرَتْ لَهُ عَلَى مَالٍ، أَخَذَتْ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهَا، وَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ هِنْدًا بِالْأَخْذِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا الْفَسْخَ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ، رَافَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ، فَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ، وَيُجْبِرُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ، فَإِنْ صَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ، أَخَذَ الْحَاكِمُ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا عُرُوضًا أَوْ عَقَارًا، بَاعَهَا فِي ذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: النَّفَقَةُ فِي مَالِهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَلَا يَبِيعُ عَرْضًا إلَّا بِتَسْلِيمٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ مَالِ الْإِنْسَانِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِذْنِهِ، أَوْ إذْنِ وَلِيِّهِ، وَلَا وِلَايَةَ عَلَى الرَّشِيدِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ " خُذِي مَا يَكْفِيك ". وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ لَهُ، فَتُؤْخَذُ مِنْهُ النَّفَقَةُ، كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَلِلْحَاكِمِ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ، بِدَلِيلِ وِلَايَته عَلَى دَرَاهِمِهِ وَدَنَانِيرِهِ.
وَإِنْ تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ، وَلَهُ وَكِيلٌ، فَحُكْمُ وَكِيلِهِ حُكْمُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ وَالْأَخْذِ مِنْ الْمَالِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ، وَلَمْ تَقْدِرْ الْمَرْأَةُ عَلَى الْأَخْذِ، أَخَذَ لَهَا الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ عَقَارِهِ وَعُرُوضِهِ فِي ذَلِكَ، إذَا لَمْ تَجِدْ مَا تُنْفِقُ سِوَاهُ. وَيُنْفِقُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَوْمًا بِيَوْمٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَفْرِضُ لَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute