للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، فَقَضَاهُ حَالًّا بِإِذْنِهِ، رَجَعَ بِهِ حَالًّا، وَإِنْ قَضَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَرْجِعُ بِهِ حَالًّا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِفِكَاكِ عَبْدِهِ فِي الْحَالِّ.

[فَصْلٌ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُل عَبْدًا لِيَرْهَنَّهُ بِمِائَةِ فَرَهْنه عِنْدَ رَجُلَيْنِ]

(٣٣٠٢) فَصْلٌ: وَلَوْ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا لِيَرْهَنهُ بِمِائَةٍ، فَرَهَنَهُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ، صَحَّ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ مَا يَرْهَنُ بِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَكَذَلِكَ مَنْ يَرْهَنُ عِنْدَهُ، وَلِأَنَّ رَهْنَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ رَهْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ مِنْهُ بَعْضُهُ بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ رَهْنًا عِنْدَ وَاحِدٍ. فَعَلَى هَذَا، إذَا قَضَى أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، خَرَجَ نَصِيبُهُ مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ فِي الْحَقِيقَةِ.

وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ، فَرَهَنَهُ عِنْدَ وَاحِدٍ بِمِائَةٍ، فَقَضَاهُ نِصْفَهَا عَنْ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَنْفَكُّ مِنْ الرَّهْنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ، مِنْ رَاهِنٍ وَاحِدٍ، مَعَ مُرْتَهِنٍ وَاحِدٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ. وَالثَّانِي، يَنْفَكُّ نِصْفُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا أَذِنَ فِي رَهْنِ نَصِيبِهِ بِخَمْسِينَ، فَلَا يَكُونُ رَهْنًا بِأَكْثَرَ مِنْهَا، كَمَا لَوْ صَرَّحَ لَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: ارْهَنْ نَصِيبِي بِخَمْسِينَ، لَا تَزِدْ عَلَيْهَا.

فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ، إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَالرَّهْنُ مَشْرُوطٌ فِي بَيْعٍ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الرَّهْنِ وَثِيقَةٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَقَدْ فَاتَهُ ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ خِيَارٌ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ سُلِّمَ لَهُ كُلُّهُ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ، وَهُوَ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ رَهَنَ هَذَا الْعَبْدَ عِنْدَ رَجُلَيْنِ، فَقَضَى أَحَدَهُمَا، انْفَكَّ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعِيرَيْنِ مِنْ نِصْفِهِ.

وَإِنْ قَضَى نِصْفَ دَيْنِ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ، يَنْفَكُّ نِصْفُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدَانِ فَأَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ فِي رَهْنِ نَصِيبِهِ]

(٣٣٠٣) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدَانِ، فَأَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ فِي رَهْنِ نَصِيبِهِ مِنْ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، فَرَهَنَاهُمَا عِنْدَ رَجُلٍ مُطْلَقًا، صَحَّ، فَإِنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا أَنَّنِي مَتَى قَضَيْت مَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ، انْفَكَّ الرَّهْنُ فِي الْعَبْدِ الَّذِي رَهَنْته، وَفِي الْعَبْدِ الْآخَرِ، أَوْ فِي قَدْرِ نَصِيبِي مِنْ الْعَبْدِ الْآخَرِ. فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَنْفَكَّ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ رَهْنٌ عَلَى دَيْنٍ آخَرَ، وَيَفْسُدُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الشَّرْطِ نَقْصًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَكُلُّ شَرْطٍ فَاسِدٍ يُنْقِصُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ، يُفْسِدُ الرَّهْنَ. فَأَمَّا إنْ شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنْ الْعَبْدِ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ، فَهُوَ فَاسِدٌ، أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَبْقَى الرَّهْنُ مَحْبُوسًا بِغَيْرِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ رَهْنٌ بِهِ، لَكِنَّهُ لَا يَنْقُصُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ، فَهَلْ يَفْسُدُ الرَّهْنُ بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

[فَصْلٌ رَهْنُ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ]

(٣٣٠٤) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْوَقْفِ، وَالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ. وَلَوْ رَهَنَ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، لَمْ يَجُزْ. فَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: زِدْنِي مَا لَا يَكُونُ الرَّهْنُ الَّذِي عِنْدَك رَهْنًا بِهِ وَبِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>