[مَسْأَلَةٌ الْمَغَانِم إذَا جُمِعَتْ وَفِيهَا طَعَامٌ أَوْ عَلَفٌ]
(٧٥٦٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا حَازَ الْأَمِيرُ الْمَغَانِمَ، وَوَكَّلَ مَنْ يَحْفَظُهَا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهَا، إلَّا أَنْ تَدْعُوَ الضَّرُورَةُ، بِأَنْ لَا يَجِدُوا مَا يَأْكُلُونَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَغَانِمَ إذَا جُمِعَتْ، وَفِيهَا طَعَامٌ أَوْ عَلَفٌ، لَمْ يَجُزْ لَأَحَدٍ أَخْذُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا أَبَحْنَا أَخْذَهُ قَبْلَ جَمْعِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدُ، فَأَشْبَهَ الْمُبَاحَات مِنْ الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ، فَإِذَا حِيزَتْ الْمَغَانِمُ، ثَبَتَ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا، فَخَرَجَتْ عَنْ حَيِّزِ الْمُبَاحَاتِ، وَصَارَتْ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ، فَلَمْ يَجُزْ الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَهُوَ أَنْ لَا يَجِدُوا مَا يَأْكُلُونَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حِفْظَ نُفُوسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ أَهَمُّ، وَسَوَاءٌ حِيزَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: مَا كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا وَإِنْ حِيزَتْ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ، لِعُسْرِ نَقْلِ الْمِيرَةِ إلَيْهَا، بِخِلَافِ دَارِ الْإِسْلَامِ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ عَامٌّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيه؛ فَإِنَّ مَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، وَتَحَقَّقَ مِلْكُهُمْ لَهُ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ إلَّا بِرِضَاهُمْ، كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ، وَلِأَنَّ حِيَازَتَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِيهِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ قِسْمَتِهِ، وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الْمِلْكِ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْحِيَازَةِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ بَعْدُ.
[مَسْأَلَة بَاعَ مِنْ الْمَغْنَمِ شَيْئًا قَبْلَ قَسْمِهِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ]
(٧٥٦٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَغْنَمِ فِي بِلَادِ الرُّومِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُخِذَ مِنْهُ الثَّمَنُ، رُدَّ إلَيْهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْأَمِيرَ إذَا بَاعَ مِنْ الْمَغْنَمِ شَيْئًا قَبْلَ قَسَمَهُ لِمَصْلَحَةٍ، صَحَّ بَيْعُهُ، فَإِنْ عَادَ الْكُفَّارُ، فَغَلَبُوا عَلَى الْمَبِيعِ، فَأَخَذُوهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي دَارِ الْحَرْبِ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ لِتَفْرِيطٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، مِثْلُ أَنْ خَرَجَ بِهِ مِنْ الْمُعَسْكَرِ، وَنَحْو ذَلِكَ، فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَهَابَهُ حَصَلَ بِتَفْرِيطِهِ، فَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَإِنْ حَصَلَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْمُشْتَرِي، سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ أُخِذَ مِنْهُ، رُدَّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَمْ يَكْمُلْ، لِكَوْنِ الْمَالِ فِي دَارِ الْحَرْبِ غَيْرَ مُحْرِزٍ، وَكَوْنِهِ عَلَى خَطَرٍ مِنْ الْعَدُوِّ، فَأَشْبَهَ التَّمْرَ الْمَبِيعَ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْجُذَاذِ.
وَالثَّانِيَةُ، هُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ. وَهَذَا أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ صَاحِبُهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْبُوضٌ، أُبِيحَ لِمُشْتَرِيهِ، فَكَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أُحْرِزَ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute