فَعَلَى هَذَا، إذَا فَرَغَ الْعَمَلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ فِي بَقِيَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ وَفَّى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مُدَّتِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ، كَمَا لَوْ قَضَى الدَّيْنَ قَبْلَ أَجَلِهِ، وَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْعَمَلِ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ لَمْ يَفِ لَهُ بِشَرْطِهِ. وَإِنْ رَضِيَ بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ، لَمْ يَمْلِكْ الْأَجِيرُ الْفَسْخَ، لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالشَّرْطِ مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَسِيلَةً لَهُ إلَى الْفَسْخِ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ أَدَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي وَقْتِهِ، لَمْ يَمْلِكْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْفَسْخَ، وَيَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ
فَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ طَالَبَهُ بِالْعَمَلِ لَا غَيْرُ،، كَالْمُسْلِمِ إذَا صَبَرَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَى حِينِ وُجُودِهِ. لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ. وَإِنْ فَسَخَ الْعَقْدَ قَبْلَ عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ، سَقَطَ الْأَجْرُ وَالْعَمَلُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عَمَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْفَسَخَ، فَسَقَطَ الْمُسَمَّى، وَرَجَعَ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ.
[فَصْلٌ اكْتَرَى دَابَّةً إلَى الْعِشَاءِ فَآخِرُ الْمُدَّةِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ]
(٤١٥٩) فَصْلٌ: وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً إلَى الْعِشَاءِ، فَآخِرُ الْمُدَّةِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ: آخِرُهَا زَوَالُ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ آخِرُ النَّهَارِ، وَآخِرُ النَّهَارِ النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ الزَّوَالِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ يَعْنِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ» . هَكَذَا تَفْسِيرُهُ. وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور: ٥٨] يَعْنِي الْعَتَمَةَ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ»
وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاة تُسَمَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأُولَى الْمَغْرِبُ، وَهُوَ فِي الْعُرْفِ كَذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا جُعِلَتْ إلَى وَقْتٍ تَعَلَّقَتْ بِأَوَّلِهِ، كَمَا لَوْ جَعَلَهَا إلَى اللَّيْلِ. وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَشِيِّ غَيْرُ لَفْظِ الْعِشَاءِ، فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ. ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعْرِفُونَهُ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا اكْتَرَاهَا إلَى الْعَشِيِّ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ
وَإِنْ اكْتَرَاهَا إلَى اللَّيْلِ، فَهُوَ إلَى أَوَّلِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ اكْتَرَاهَا إلَى النَّهَارِ، فَهُوَ إلَى أَوَّلِهِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَدْخُلَ اللَّيْلُ فِي الْمُدَّةِ الْأُولَى، وَالنَّهَارُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَإِنْ اكْتَرَاهَا نَهَارًا فَهُوَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَإِنْ اكْتَرَاهَا لَيْلَةً، فَهِيَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فِي قَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute