للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهَا، فَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ مَاشِيَةً فَاحْتَاجَتْ إلَى إطْرَاقِ الْفَحْلِ، فَلِلرَّاهِنِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلرَّهْنِ، وَزِيَادَتَهُ، وَذَلِكَ زِيَادَةٌ، فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَإِنْ كَانَتْ فُحُولًا لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ إطْرَاقُهَا بِغَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَا مَصْلَحَةَ لِلرَّهْنِ فِيهِ، فَهُوَ كَالِاسْتِخْدَامِ، إلَّا أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْإِطْرَاقِ، فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُدَاوَاةِ لَهُ.

[مَسْأَلَةٌ مُؤْنَةُ الرَّهْنِ]

(٣٣٧٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمُؤْنَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَمَاتَ، فَعَلَيْهِ كَفَنُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُخَزَّنُ، فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مَخْزَنِهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّهْنِ مِنْ طَعَامِهِ، وَكُسْوَتِهِ، وَمَسْكَنِهِ، وَحَافِظِهِ، وَحِرْزِهِ، وَمَخْزَنِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَجْرُ الْمَسْكَنِ وَالْحَافِظِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ إمْسَاكِهِ وَارْتِهَانِهِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» وَلِأَنَّهُ نَوْعُ إنْفَاقٍ، فَكَانَ عَلَى الرَّاهِنِ، كَالطَّعَامِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ، فَكَانَ عَلَيْهِ مَسْكَنُهُ وَحَافِظُهُ، كَغَيْرِ الرَّهْنِ. وَإِنْ أَبَقَ الْعَبْدُ فَأُجْرَةُ مَنْ يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَبِقَدْرِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى مُدَاوَاتِهِ لِمَرَضٍ أَوْ جُرْحٍ فَذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، هُوَ كَأَجْرِ مَنْ يَرُدُّهُ مِنْ إبَاقِهِ. وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ ضَمَانٍ، بِقَدْرِ دَيْنِهِ فِيهِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ. وَالْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ، كَتَجْهِيزِهِ، وَتَكْفِينه، وَدَفْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ لِمُؤْنَتِهِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَتْهُ مُؤْنَةُ شَخْصٍ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ كَتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ عَلَيْهِ، كَسَائِرِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالْأَقَارِبِ مِنْ الْأَحْرَارِ.

[فَصْلٌ كَانَ الرَّهْنُ ثَمَرَةً فَاحْتَاجَتْ إلَى سَقْيٍ وَتَسْوِيَةٍ وَجُذَاذٍ]

(٣٣٨٠) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ ثَمَرَةً فَاحْتَاجَتْ إلَى سَقْيٍ وَتَسْوِيَةٍ وَجُذَاذٍ، فَذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى تَجْفِيفٍ، وَالْحَقُّ مُؤَجَّلٌ، فَعَلَيْهِ التَّجْفِيفُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا رَهْنًا حَتَّى يَحِلَّ الْحَقُّ. وَإِنْ كَانَ حَالًّا، بِيعَتْ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْفِيفِهَا. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى بَيْعِهَا وَجَعْلِ ثَمَنِهَا رَهْنًا بِالْحَقِّ الْمُؤَجَّلِ، جَازَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ، قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ يَسْتَبْقِيهَا بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَقِلُّ قِيمَتُهُ بِالتَّجْفِيفِ، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهِ رَطْبًا، فَإِنَّهُ يُبَاعُ، وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ مَكَانَهُ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قَطْعِ الثَّمَرَةِ فِي وَقْتٍ، فَلَهُمَا ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَسَوَاء كَانَ الْأَصْلَحُ الْقَطْعَ أَوْ التَّرْكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا قَدَّمْنَا قَوْلَ مِنْ طَلَبَ الْأَصْلَحَ، إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ. وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَالًّا قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ الْقَطْعَ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنَ، فَهُوَ طَالِبٌ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ الْحَالِّ، فَلَزِمَ إجَابَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنَ، فَهُوَ يَطْلُبُ تَبْرِئَةَ ذِمَّتِهِ، وَتَخْلِيصَ عَيْنِ مِلْكِهِ مِنْ الرَّهْنِ، وَالْقَطْعُ أَحْوَطُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي تَبَقَّيْته غَرَرًا. ذَكَرَ الْقَاضِي هَذَا فِي الْمُفْلِسِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>