نَحْوُهُ. وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إتْلَافِهِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ، فَكَانَ مَضْمُونًا كَالصَّيْدِ، وَيُخَالِفُ الْمُحْرِمَ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ قَطْعِ شَجَرِ الْحِلِّ، وَلَا زَرْعِ الْحَرَمِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَة بِبَقَرَةٍ، وَالصَّغِيرَةَ بِشَاةٍ، وَالْحَشِيشَ بِقِيمَتِهِ، وَالْغُصْنَ بِمَا نَقَصَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَضْمَنُ الْكُلَّ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَدَّرَ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْحَشِيشَ. وَلَنَا، قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ مَا يَحْرُمُ إتْلَافُهُ، فَكَانَ فِيهِ مَا يُضْمَنُ بِمُقَدَّرٍ كَالصَّيْدِ. فَإِنْ قَطَعَ غُصْنًا أَوْ حَشِيشًا، فَاسْتَخْلَفَ، احْتَمَلَ سُقُوطُ ضَمَانِهِ، كَمَا إذَا جَرَحَ صَيْدًا فَانْدَمَلَ، أَوْ قَطَعَ شَعْرَ آدَمِيٍّ فَنَبَتَ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَضْمَنَهُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ.
[فَصْل قَلَعَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ فَغَرَسَهَا فِي مَكَان آخَر فَيَبِسَتْ]
(٢٤١٧) فَصْلٌ: مَنْ قَلَعَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ، فَغَرَسَهَا فِي مَكَان آخَرَ، فَيَبِسَتْ، ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا. وَإِنْ غَرَسَهَا فِي مَكَان مِنْ الْحَرَمِ، فَنَبَتَتْ، لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهَا، وَلَمْ يُزِلْ حُرْمَتَهَا. وَإِنْ غَرَسَهَا فِي الْحِلِّ، فَنَبَتَتْ، فَعَلَيْهِ رَدُّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ حُرْمَتَهَا. فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا، أَوْ رَدَّهَا فَيَبِسَتْ، ضَمِنَهَا. وَإِنْ قَلَعَهَا غَيْرُهُ مِنْ الْحِلِّ، فَقَالَ الْقَاضِي: الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لَهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَمْ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُخْرِجِ، كَالصَّيْدِ إذَا نَفَّرَهُ مِنْ الْحَرَمِ، فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي الْحِلَّ، فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُنَفِّرِ؟ قُلْنَا: الشَّجَرُ لَا يَنْتَقِلُ بِنَفْسِهِ، وَلَا تَزُولُ حُرْمَتُهُ بِإِخْرَاجِهِ، وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى قَالِعِهِ رَدُّهُ، وَالصَّيْدُ يَكُونُ فِي الْحَرَمِ تَارَةً وَفِي الْحِلِّ أُخْرَى، فَمَنْ نَفَّرَهُ فَقَدْ فَوَّتَ حُرْمَتَهُ، فَلَزِمَهُ جَزَاؤُهُ، وَهَذَا لَمْ يُفَوِّتْ حُرْمَتَهُ بِالْإِخْرَاجِ، فَكَانَ الْجَزَاءُ عَلَى مُتْلِفِهِ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَ شَجَرًا حَرَمِيًّا مُحَرَّمًا إتْلَافُهُ.
[فَصْل إذَا كَانَتْ شَجَرَةٌ فِي الْحَرَمِ وَغُصْنُهَا فِي الْحِلِّ فَعَلَى قَاطِعِهِ الضَّمَانُ]
(٢٤١٨) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ شَجَرَةٌ فِي الْحَرَمِ، وَغُصْنُهَا فِي الْحِلِّ، فَعَلَى قَاطِعِهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحِلِّ، وَغُصْنُهَا فِي الْحَرَمِ، فَقَطَعَهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا ضَمَانَ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَالثَّانِي، يَضْمَنُهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ. فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَصْلِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ، ضَمِنَ الْغُصْنَ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ، تَغْلِيبًا لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ، كَمَا لَوْ وَقَفَ صَيْدٌ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحِلِّ، وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ.
[فَصْل حُكْمُ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهَا وَحَشِيشِهَا]
(٢٤١٩) فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute