لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ، لَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرُّجُوعِ، فَإِذَا أَنْكَرَهُ، لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ.
فَإِنْ شَهِدَ الْقَابِضُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالْقَبْضِ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِمَعْنَيَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ إذَا شَهِدَتْ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي. وَالثَّانِي، أَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا، فَإِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ، فَلِغَيْرِ الْقَابِضِ أَنْ يَسْتَرِقَّ نِصْفَهُ، وَيُقَوَّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُعْتَرِفٌ بِرِقِّهِ، غَيْرُ مُدَّعٍ لِحُرِّيَّةِ هَذَا النَّصِيبِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تُقَوَّمَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ يَدَّعِي حُرِّيَّةَ جَمِيعِهِ، وَالْمُنْكِرَ يَدَّعِي مَا يُوجِبُ رِقَّ جَمِيعِهِ، فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: مَا قَبَضَهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يُسَلِّمَ إلَيَّ مِثْلَ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ. فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يَدَّعِي رِقَّ جَمِيعِهِ، وَالْآخَرُ يَدَّعِي حُرِّيَّةَ جَمِيعِهِ اتَّفَقَا عَلَى حُرِّيَّةِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ.
[فَصْلٌ اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِقَبْضِ الْمِائَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ، وَقَالَ: قَدْ دَفَعْت إلَى شَرِيكِي نِصْفَهَا فَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ]
(٨٨١٦) فَصْلٌ: وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِقَبْضِ الْمِائَةِ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ، وَقَالَ: قَدْ دَفَعْت إلَى شَرِيكِي نِصْفَهَا. فَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ، وَلِلْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ. فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الشَّرِيكِ، فَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِقَبْضِ الْمِائَةِ كُلِّهَا، وَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ حَقِّهِ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَلَا يَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَرِفُ لَهُ بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَبَرَاءَتِهِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَزْعُمُ أَنَّ شَرِيكَهُ ظَلَمَهُ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ.
وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ، وَلِلْعَبْدِ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ بِهَا، سَوَاءٌ صَدَّقَهُ فِي دَفْعِهَا إلَى الْمُنْكِرِ أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ دَفَعَهَا فَقَدْ دَفَعَهَا دَفْعًا غَيْرَ مُبْرٍ، فَكَانَ مُفَرِّطًا. وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِأَدَائِهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْقَابِضِ، ثُمَّ يُسَلِّمَهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ، فَلَهُ تَعْجِيزُهُ، وَاسْتِرْقَاقُ نِصْفِهِ، وَمُشَارَكَةُ الْقَابِضِ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي قَبَضَهَا عِوَضًا عَنْ نَصِيبِهِ، وَيُقَوَّمُ عَلَى الشَّرِيكِ الْقَابِضِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ يُصَدِّقُهُ فِي دَفْعِ الْخَمْسِينَ إلَى شَرِيكِهِ، فَلَا يُقَوَّمُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَرِفُ أَنَّهُ حُرٌّ، وَأَنَّ هَذَا ظَلَمَهُ بِاسْتِرْقَاقِ نِصْفِهِ الْحُرِّ. وَإِنْ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ بِالْخَمْسِينَ، وَدَفْعُهَا إلَى الْمُنْكِرِ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَهَلْ يَمْلِكُ الْمُنْكِرُ تَعْجِيزَهُ وَاسْتِرْقَاقَ نِصْفِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ فِي تَعْجِيزِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ، إنْ قُلْنَا: لَهُ ذَلِكَ. فَلِلْمُنْكِرِ اسْتِرْقَاقُهُ.
وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. فَلَيْسَ لِلْمُنْكِرِ اسْتِرْقَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْأَدَاءِ فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يَرْجِعُ الْمُنْكِرُ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَهُ، إذَا اسْتَرَقَّ نِصْفَ الْعَبْدِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ بِهَا كَانَ قَابِضًا جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ قَبْضُهَا فِي نُجُومِهَا فَتُفْسَخَ الْكِتَابَةُ، ثُمَّ يُطَالَبَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُهَا حَتَّى فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute