فَاكْتَالَاهُ، ثُمَّ ابْتَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّةَ شَرِيكِهِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا، فَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: إذَا اشْتَرَيَا غَلَّةً أَوْ نَحْوَهَا، وَحَضَرَاهَا جَمِيعًا، وَعَرَفَا كَيْلَهَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ: بِعْنِي نَصِيبَك، وَأُرْبِحُك، فَهُوَ جَائِزٌ. وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ هَذَا الْمُشْتَرِي الْكَيْلَ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِكَيْلٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا بُدَّ مِنْ كَيْلِهِ. وَوَجْهُهَا مَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْقَاضِي: وَمَعْنَى الْكَيْلِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي قَدْرِهِ إلَى قَوْلِ الْقَابِضِ، إذَا كَانَ النَّقْصُ يَسِيرًا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْكَيْلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْكَيْلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَتَحَقَّقُ كَذِبَهُ، بِخِلَافِ مَسَائِلِ الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكِلْ بِحَضْرَتِهِ. وَالظَّاهِرُ. أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكَيْلِ حَقِيقَتَهُ دُونَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَفَائِدَةُ اعْتِبَارِ الْكَيْلِ، مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ، إلَّا مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَإِنْ بَاعَهُ لِلثَّانِي فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَلَى أَنَّهُ صُبْرَةٌ، جَازَ، وَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى كَيْلٍ ثَانٍ، وَالْقَبْضُ فِيهِ بِنَقْلِهِ، كَسَائِرِ الصُّبَرِ.
(٢٩٧٣) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ يَشْتَرِي الْجَوْزَ، فَيَعُدُّ فِي مِكْتَلٍ أَلْفَ جَوْزَةٍ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْجَوْزَ كُلَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْمِعْيَارِ، قَالَ: لَا يَجُوزُ. وَقَالَ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ أَعْكَامًا كَيْلًا، وَقَالَ لِلْبَائِعِ: كِلْ لِي عِكْمًا مِنْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا مَا بَقِيَ عَلَى هَذَا الْكَيْلِ. أَكْرَهُ هَذَا، حَتَّى يَكِيلَهَا كُلَّهَا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَكْرَهُونَ هَذَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي الْعُكُومِ يَخْتَلِفُ، فَيَكُونُ فِي بَعْضِهَا أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ فَلَا يُعْلَمُ مَا فِي بَعْضِهَا بِكَيْلِ الْبَعْضِ، وَالْجَوْزُ يَخْتَلِفُ عَدَدُهُ، فَيَكُونُ فِي أَحَدِ الْمِكْتَلَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ بِالْكَيْلِ، كَمَا لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الْمَكِيلِ بِالْوَزْنِ، وَلَا الْمَوْزُونِ بِالْكَيْلِ.
[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى صَبِرَة عَلَى أَنَّ كُلّ مَكِيلَة مِنْهَا بِشَيْءِ مَعْلُومٍ]
(٢٩٧٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَاذَا اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّ كُلَّ مَكِيلَةٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ جَازَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ إذَا قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ. صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مِقْدَارَ ذَلِكَ حَالَ الْعَقْدِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ، وَيَبْطُلُ فِيمَا سِوَاهُ لِأَنَّ جُمْلَةَ الثَّمَنِ مَجْهُولَةٌ، فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ الْمُبْتَاعِ بِرَقْمِهِ.
وَلَنَا، أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ؛ لِإِشَارَتِهِ إلَى مَا يُعْرَفُ مَبْلَغُهُ بِجِهَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَهُوَ أَنْ تُكَالَ الصُّبْرَةُ، وَيُقَسَّطَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ قُفْزَانِهَا، فَيَعْلَمُ مَبْلَغُهُ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَا رَأْسُ مَالِهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مُرَابَحَةً، لِكُلِّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْحِسَابِ، كَذَا هَاهُنَا. وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ، فَصَحَّ كَالْأَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute