يَكْثُرُ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُتَجَاوِرَةِ، وَفِي الْقَطْعِ إتْلَافٌ وَضَرَرٌ. وَالزِّيَادَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ يُعْفَى عَنْهَا، كَالسِّمَنِ الْحَادِثِ فِي الْمُسْتَأْجَرِ لِلرُّكُوبِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ لِلْغُرْفَةِ يَتَجَدَّدُ لَهُ الْأَوْلَادُ، وَالْغِرَاسِ الَّذِي يَسْتَأْجِرُ لَهُ الْأَرْضَ يَعْظُمُ وَيَجْفُو.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تَصِحُّ الْمُصَالَحَةُ عَنْهُ بِحَالٍ، رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ يَزِيدُ وَيَتَغَيَّرُ وَالْيَابِسُ يَنْقُصُ، وَرُبَّمَا ذَهَبَ كُلُّهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ يَابِسًا مُعْتَمِدًا عَلَى نَفْسِ الْجِدَارِ، صَحَّتْ الْمُصَالَحَةُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مَأْمُونَةٌ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ يَزِيدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَمَا لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْجِدَارِ، لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعُ الْهَوَاءِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَاللَّائِقُ بِمَذْهَبِ أَحْمَدَ صِحَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَى الْعِلْمِ بِهِ سَبِيلٌ، وَذَلِكَ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَكَوْنِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ، وَهَذَا كَذَلِكَ. وَالْهَوَاءُ كَالْقَرَارِ فِي كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِهِ، فَجَازَ الصُّلْحُ عَلَى مَا فِيهِ، كَاَلَّذِي فِي الْقَرَارِ.
[فَصْلٌ صَالِحه عَلَى أَرْض بِجُزْءِ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرِهَا]
(٣٥٠٢) فَصْل: وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى إقْرَارِهَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرِهَا، أَوْ بِثَمَرِهَا كُلُّهُ، فَقَدْ نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ. وَنَحْوَهُ.
وَقَالَ مَكْحُولٌ، فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا شَجَرَةٍ ظُلِّلَتْ عَلَى قَوْمٍ، فَهُمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قَطْعِ مَا ظَلَّلَ، أَوْ أَكْلِ ثَمَرَهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مَجْهُولٌ، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ مَجْهُولَةٌ، وَجُزْؤُهَا مَجْهُولٌ، وَمِنْ شَرْطِ الصُّلْحِ الْعِلْمُ بِالْعِوَضِ، وَلِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ أَيْضًا مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ وَيَتَغَيَّرُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَا.
وَوَجْهُ الْأَوَّل، أَنَّ هَذَا مِمَّا يَكْثُرُ فِي الْأَمْلَاكِ، وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَفِي الْقَطْعِ إتْلَافٌ، فَجَازَ مَعَ الْجَهَالَةَ، كَالصُّلْحِ عَلَى مَجْرَى مِيَاهِ الْأَمْطَارِ، وَالصُّلْحِ عَلَى الْمَوَارِيثِ الدَّارِسَةِ، وَالْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ الَّتِي لَا سَبِيلَ إلَى عِلْمِهَا، وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّ الصُّلْحَ هَاهُنَا يَصِحُّ، بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُبِيحُ صَاحِبَهُ مَا بَذَلَ لَهُ، فَصَاحِبُ الْهَوَاءِ يُبِيحُ صَاحِبَ الشَّجَرَةِ إبْقَاءَهَا، وَيَمْتَنِعُ مِنْ قَطْعِهَا وَإِزَالَتِهَا، وَصَاحِبُ الشَّجَرَةَ يُبِيحُهُ مَا بَذَلَ لَهُ مِنْ ثَمَرَتهَا، وَلَا يَكُونُ هَذَا بِمَعْنَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ بِمَعْدُومٍ وَلَا مَجْهُولٍ، وَالثَّمَرَةُ فِي حَالِ الصُّلْحِ مَعْدُومَةٌ مَجْهُولَةٌ، وَلَا هُوَ لَازِمٌ، بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَمَّا بَذَلَهُ، وَالْعَوْدُ فِيمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ إبَاحَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَجَرَى مَجْرَى قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: اُسْكُنْ دَارِي، وَأَسْكُنُ دَارَك. مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ، وَلَا ذِكْرِ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ، أَوْ قَوْلِهِ: أَبَحْتُك الْأَكْلَ مِنْ ثَمَرَةِ بُسْتَانِي، فَأَبِحْنِي الْأَكْلَ مِنْ ثَمَرَة بُسْتَانِك.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: دَعْنِي أُجْرِي فِي أَرْضِك مَاءً، وَلَك أَنْ تَسْقِيَ بِهِ مَا شِئْت، وَتَشْرَبَ مِنْهُ. وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا مِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ كَثِيرًا، وَفِي إلْزَامِ الْقَطْعِ ضَرَرٌ كَبِيرٌ، وَإِتْلَافُ أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ، وَفِي التَّرْكِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَصِلُ إلَى صَاحِبِ الْهَوَاءِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعٌ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute