يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْعَطِيَّةَ اسْتِعْجَالٌ لِمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى حَسَبِهِ، كَمَا أَنَّ مُعَجِّلَ الزَّكَاةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا يُؤَدِّيهَا عَلَى صِفَةِ أَدَائِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا، وَكَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ الْمُعَجَّلَةُ، وَلِأَنَّ الذَّكَرَ أَحْوَجُ مِنْ الْأُنْثَى، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا إذَا تَزَوَّجَا جَمِيعًا فَالصَّدَاقُ وَالنَّفَقَةُ وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى لَهَا ذَلِكَ، فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّفْضِيلِ؛ لِزِيَادَةِ حَاجَتِهِ، وَقَدْ قَسَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمِيرَاثَ، فَفَضَّلَ الذَّكَرَ مَقْرُونًا بِهَذَا الْمَعْنَى فَتُعَلَّلُ بِهِ، وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْعَطِيَّةِ فِي الْحَيَاةِ.
وَحَدِيثُ بَشِيرٍ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، وَحِكَايَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُهَا فِيمَا مَاثَلَهَا، وَلَا نَعْلَمُ حَالَ أَوْلَادِ بَشِيرٍ، هَلْ كَانَ فِيهِمْ أُنْثَى أَوْ لَا؟ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ ذَكَرٌ. ثُمَّ تُحْمَلُ التَّسْوِيَةُ عَلَى الْقِسْمَةِ عَلَى كِتَابِ اللَّه تَعَالَى. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّسْوِيَةَ فِي أَصْلِ الْعَطَاءِ، لَا فِي صِفَتِهِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ عَطَاءٍ: مَا كَانُوا يُقَسِّمُونَ إلَّا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا خَبَرٌ عَنْ جَمِيعِهِمْ، عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.
[فَصْلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ سَائِرِ أَقَارِبِهِ فِي الْهِبَةُ]
(٤٤٦٢) فَصْلٌ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ سَائِرِ أَقَارِبِهِ، وَلَا إعْطَاؤُهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، كَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ، وَأَعْمَامٍ وَبَنِي عَمٍّ، أَوْ مِنْ جِهَاتٍ، كَبَنَاتٍ وَأَخَوَاتٍ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ الْمَشْرُوعُ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ، أَنْ يُعْطِيَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ، فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَيَعُمَّهُمْ بِالنِّحْلَةِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى الْأَوْلَادِ، فَثَبَتَ فِيهِمْ مِثْلُ حُكْمِهِمْ. وَلَنَا أَنَّهَا عَطِيَّةٌ لِغَيْرِ الْأَوْلَادِ فِي صِحَّتِهِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ، كَمَا لَوْ كَانُوا غَيْرَ وَارِثِينَ.
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ إبَاحَةُ تَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي مَالِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ بِالْخَبَرِ، وَلَيْسَ غَيْرُهُمْ فِي مَعْنَاهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي وُجُوبِ بِرِّ وَالِدِهِمْ، فَاسْتَوَوْا فِي عَطِيَّتِهِ. وَبِهَذَا عَلَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ: «أَيَسُرُّك أَنْ يَسْتَوُوا فِي بِرِّك؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَسَوِّ بَيْنَهُمْ» . وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي غَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّ لِلْوَالِدِ الرُّجُوعَ فِيمَا أَعْطَى وَلَدَهُ، فَيُمْكِنُهُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ بِاسْتِرْجَاعِ مَا أَعْطَاهُ لِبَعْضِهِمْ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْأَوْلَادَ لِشِدَّةِ مَحَبَّةِ الْوَالِدِ لَهُمْ، وَصَرْفِ مَالِهِ إلَيْهِمْ عَادَةً.
يَتَنَافَسُونَ فِي ذَلِكَ، وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ، وَلَا يُبَارِيهِمْ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُمْ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَصَّ فِي غَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ لِبَشِيرٍ زَوْجَةً، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعْطَائِهَا شَيْئًا حِينَ أَمَرَهُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ هَلْ لَك وَارِثٌ غَيْرُ وَلَدِك؟ .
[فَصْلٌ الْأُمُّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ فِي الْهِبَةُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ كَالْأَبِ]
(٤٤٦٣) فَصْلٌ: وَالْأُمُّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ كَالْأَبِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا اللَّهِ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute