وَإِلَّا أَغَارَ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفِطْرَةِ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجْتَ مِنْ النَّارِ، فَنَظَرُوا فَإِذَا صَاحِبُ مَعَزٍ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
[فَصْلٌ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلْأُولَى ثُمَّ يُقِيمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ إقَامَةً]
فَصْلٌ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلْأُولَى، ثُمَّ يُقِيمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ إقَامَةً، وَإِنْ لَمْ يُؤَذِّنْ فَلَا بَأْسَ. قَالَ الْأَثْرَمُ؛ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ يَقْضِي صَلَاةً، كَيْفَ يَصْنَعُ فِي الْأَذَانِ؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ لَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ هُشَيْمٌ، جَعَلَهَا إقَامَةً إقَامَةً.
قُلْت فَكَأَنَّك تَخْتَارُ حَدِيثَ هُشَيْمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ هُوَ زِيَادَةٌ، أَيُّ شَيْءٍ يَضُرُّهُ؟ وَهَذَا فِي الْجَمَاعَةِ. فَإِنْ كَانَ يَقْضِي وَحْدَهُ كَانَ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ أَدْنَى فِي حَقِّهِ، لِأَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ لِلْإِعْلَامِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعْلَامِ هَاهُنَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ فَقَضَاهَا: لِيُؤَذِّنْ، وَيُقِمْ مَرَّةً وَاحِدَةً، يُصَلِّيهَا كُلَّهَا. فَسَهَّلَ فِي ذَلِكَ، وَرَآهُ حَسَنًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ؛ وَلَهُ قَوْلَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ يُقِيمُ وَلَا يُؤَذِّنُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ؛ «حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الصَّلَاةِ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا، فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ، فَصَلَّاهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ الْعَصْرَ، فَصَلَّاهَا» . وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ، وَقَدْ فَاتَ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنْ رُجِيَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ أَذَّنَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ مَشْرُوعٌ لِلْإِعْلَامِ، فَلَا يُشْرَعُ إلَّا مَعَ الْحَاجَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُؤَذِّنُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَيُقِيمُ؛ لِأَنَّ مَا سُنَّ لِلصَّلَاةِ فِي أَدَائِهَا سُنَّ فِي قَضَائِهَا، كَسَائِرِ الْمَسْنُونَاتِ. وَلَنَا، حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيَادَةِ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، «أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَامُوا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا بِلَالُ، قُمْ فَأَذِّنْ النَّاسَ بِالصَّلَاةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَيْضًا. قَالَ: «فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، فَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّيْنَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مِنْ الْفَوَائِتِ صَلَاةٌ وَقَدْ أُذِّنَ لِمَا قَبْلَهَا، فَأَشْبَهَتْ الثَّانِيَةَ مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ، وَقِيَاسُهُمْ مُنْتَقَضٌ بِهَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute