الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ عَنْ سَبْعَةٍ، فَأَشْبَهَتْ الْإِبِلَ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ. فَأَمَّا الْحُمُرُ، فَجَعَلَهَا أَصْحَابُنَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّ لَهَا أَجْسَامًا عَظِيمَةً، فَأَشْبَهَتْ الْبِغَالَ وَالْخَيْلَ، وَلِأَنَّهَا مِنْ الدَّوَابِّ، فَأَشْبَهَتْ الْبِغَالَ. وَالْأَوْلَى إلْحَاقُهَا بِالشَّاةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ الْإِبِلَ بِأَنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا. يُرِيدُ شِدَّةَ صَبْرِهَا عَنْ الْمَاءِ؛ لِكَثْرَةِ مَا تُوعِي فِي بُطُونِهَا مِنْهُ، وَقُوَّتِهَا عَلَى وُرُودِهِ.
وَفِي إبَاحَةِ ضَالَّةِ الْغَنَمِ بِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِأَخْذِ الذِّئْبِ إيَّاهَا، بِقَوْلِهِ: " هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ ". وَالْحُمُرُ مُسَاوِيَةٌ لِلشَّاةِ فِي عِلَّتِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ مِنْ الذِّئْبِ، وَمُفَارِقَةٌ لِلْإِبِلِ فِي عِلَّتِهَا، فَإِنَّهَا لَا صَبْرَ لَهَا عَنْ الْمَاءِ، وَلِهَذَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِقِلَّةِ صَبْرِهَا عَنْهُ، فَيُقَالُ: مَا بَقِيَ مِنْ مُدَّتِهِ إلَّا ظَمَأُ حِمَارٍ. وَإِلْحَاقُ الشَّيْءِ بِمَا سَاوَاهُ فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ وَفَارَقَهُ فِي الصُّورَةِ، أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِمَا قَارَبَهُ فِي الصُّورَةِ وَفَارَقَهُ فِي الْعِلَّةِ. فَأَمَّا غَيْرُ الْحَيَوَانِ، فَمَا كَانَ مِنْهُ يَنْحَفِظُ بِنَفْسِهِ، كَأَحْجَارِ الطَّوَاحِينِ، وَالْكَبِيرِ مِنْ الْخَشَبِ، وَقُدُورِ النُّحَاسِ، فَهُوَ كَالْإِبِلِ فِي تَحْرِيمِ أَخْذِهِ، بَلْ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ تَتَعَرَّضُ فِي الْجُمْلَةِ لِلتَّلَفِ.
إمَّا بِالْأَسَدِ، وَإِمَّا بِالْجُوعِ أَوْ الْعَطَشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ هَذِهِ لَا تَكَادُ تَضِيعُ عَنْ صَاحِبِهَا وَلَا تَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهَا بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ، فَإِذَا حُرِّمَ أَخْذُ الْحَيَوَانِ، فَهَذِهِ أَوْلَى.
[فَصْل أَخَذَ هَذَا الْحَيَوَانَ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِقَاطِ]
(٤٥٤٩) فَصْلٌ: فَإِنْ أَخَذَ هَذَا الْحَيَوَانَ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِقَاطِ، ضَمِنَهُ، إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا أَذِنَ الشَّارِعُ لَهُ، فَهُوَ كَالْغَاصِبِ. فَإِنْ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَرْسِلْهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَبْته فِيهِ. وَجَرِيرٌ طَرَدَ الْبَقَرَةَ الَّتِي لَحِقَتْ بِبَقَرِهِ
وَلَنَا أَنَّ مَا لَزِمَهُ ضَمَانُهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ إلَّا بِرَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ نَائِبِهِ، كَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْبَقَرَةَ، وَلَا أَخَذَهَا رَاعِيهِ، إنَّمَا لَحِقَتْ بِالْبَقَرِ، فَطَرَدَهَا عَنْهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَتْ دَارِهِ فَأَخْرَجَهَا. فَعَلَى هَذَا، مَتَى لَمْ يَأْخُذْهَا بِحَيْثُ ثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا، لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا، سَوَاءٌ طَرَدَهَا أَوْ لَمْ يَطْرُدْهَا. وَإِنْ أَخَذَهَا فَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا، فَدَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي ضَوَالِّ النَّاسِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَخْذَهَا، فَكَانَ نَائِبًا عَنْ أَصْحَابِهَا فِيهَا.
[فَصْلٌ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَخْذُ الضَّالَّةِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ لِصَاحِبِهَا]
(٤٥٥٠) فَصْلٌ: وَلِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَخْذُ الضَّالَّةِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ لِصَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَمَى مَوْضِعًا يُقَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute