للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ عَلَى الرَّضَاعِ]

(٦٤٤٨) فَصْلٌ: وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الرَّضَاعِ إلَّا مُفَسَّرَةً، فَلَوْ قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا ابْنُ هَذِهِ مِنْ الرَّضَاعِ. لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ الرَّضَاعَ الْمُحَرَّمَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ، مِنْهُمْ مَنْ يُحَرِّمُ بِالْقَلِيلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَرِّمُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، فَلَزِمَ الشَّاهِدَ تَبْيِينُ كَيْفِيَّتِهِ، لِيَحْكُمَ الْحَاكِمُ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِ، فَيَحْتَاجُ الشَّاهِدُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا ارْتَضَعَ مِنْ ثَدْيِ هَذِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، خَلَصَ اللَّبَنُ فِيهِنَّ إلَى جَوْفِهِ، فِي الْحَوْلَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: خُلُوصُ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِهِ لَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَى مُشَاهَدَتِهِ، فَكَيْفَ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ؟ قُلْنَا: إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ ذَاتُ لَبَنٍ، وَرَأْي الصَّبِيَّ قَدْ الْتَقَمَ ثَدْيَهَا، وَحَرَّكَ فَمَه فِي الِامْتِصَاصِ، وَحَلْقَهُ فِي الِاجْتِرَاعِ، حَصَلَ ظَنٌّ يَقْرُبُ إلَى الْيَقِينِ أَنَّ اللَّبَنَ قَدْ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ، وَمَا يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ بِالْمُشَاهَدَةِ، اُكْتُفِيَ فِيهِ بِالظَّاهِرِ، كَالشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ، وَثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ، وَالشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ بِالِاسْتِفَاضَةِ.

وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: أَدْخَلَ رَأْسَهُ تَحْتَ ثِيَابِهَا، وَالْتَقَمَ ثَدْيَهَا. لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُدْخِلُ رَأْسَهُ وَلَا يَأْخُذُ الثَّدْيَ، وَقَدْ يَأْخُذُ الثَّدْيَ وَلَا يَمُصُّ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَرْضَعَتْ هَذَا. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ فِي ثُبُوتِ أَصْلِ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. اُكْتُفِيَ بِقَوْلِهَا.

[مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ قَالَ قَبْلَ الدُّخُولِ هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعَةِ]

(٦٤٤٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ الدُّخُولِ: هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعَةِ. انْفَسَخَ النِّكَاحُ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِنْ أَكْذَبَتْهُ، فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَقَرَّ أَنَّ زَوْجَتَهُ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ: وَهَمَّتْ، أَوْ أَخْطَأَتْ. قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ، وَلَوْ جَحَدَ النِّكَاحَ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ، قُبِلَ، كَذَلِكَ هَاهُنَا.

وَلَنَا، أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ رَجَعَ، أَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَمَتَهُ أُخْتُهُ مِنْ النَّسَبِ، وَمَا قَاسُوا عَلَيْهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، فَيَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى عِلْمِهِ بِصِدْقِهِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ، فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ فَالنِّكَاحُ بَاقٍ بِحَالِهِ، وَقَوْلُهُ كَذِبٌ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ حَقِيقَةُ الرَّضَاعِ، لَا الْقَوْلُ. وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ، لَمْ تَزُلْ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ. وَقِيلَ فِي حِلِّهَا لَهُ إذَا عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ رِوَايَتَانِ. وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَاهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ كَذِبًا، لَمْ يُثْبِتْ التَّحْرِيمَ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْهُ: هِيَ ابْنَتِي مِنْ الرَّضَاعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>