[فَصْلٌ غَصَبَ شَيْئًا بِبَلَدِ فَلَقِيَهُ بِبَلَدِ آخَرَ فَطَالَبَهُ بِهِ]
(٣٩٨٠) فَصْلٌ: وَإِذَا غَصَبَ شَيْئًا بِبَلَدٍ، فَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ، فَطَالَبَهُ بِهِ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ أَثْمَانًا، لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَثْمَانَ قِيَمُ الْأَشْيَاءِ، فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا وَكَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتُهُ فِي الْبَلَدَيْنِ وَاحِدَةٌ، أَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ أَكْثَرَ، لَزِمَهُ أَدَاءُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مُخْتَلِفَةً إلَّا أَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ رَدُّ الْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ.
وَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَقِيمَتُهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ أَقَلَّ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَا رَدُّ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّنَا لَا نُكَلِّفُهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ إلَى بَلَدٍ لَا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهُ فِيهِ، وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْخِيرَةُ بَيْنَ الصَّبْرِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فِي بَلَدِهِ، وَبَيْنَ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ بِقِيمَتِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهُ وَرَدُّ مِثْلِهِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَتِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ، وَمَتَى قَدَرَ عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، رَدَّهَا، وَاسْتَرْجَعَ بَدَلَهَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذَا.
[مَسْأَلَة غَصَبَهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ]
(٣٩٨١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ غَصَبَهَا حَامِلًا، فَوَلَدَتْ فِي يَدِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ، أَخَذَهَا سَيِّدُهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا، أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قِيمَتُهُ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَمْرَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ إذَا غَصَبَ حَامِلًا مِنْ الْحَيَوَانِ، أَمَةً أَوْ غَيْرَهَا، فَالْوَلَدُ مَضْمُونٌ، كَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ حَائِلًا، فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ، وَوَلَدَتْ، ضَمِنَ وَلَدَهَا.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يَجِبُ ضَمَانُ الْوَلَدِ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَغْصُوبٍ، إذْ الْغَصْبُ فِعْلٌ مَحْظُورٌ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَ ثُبُوتُ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ انْبَنَى عَلَى وُجُودِ الْوَلَدِ، وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ. وَلَنَا، أَنَّ مَنْ ضَمِنَ خَارِجَ الْوِعَاءِ ضَمِنَ مَا فِيهِ، كَالدُّرَّةِ فِي الصَّدَفَةِ، وَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ؛ وَلِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ فَيَضْمَنُ، كَالْأُمِّ، فَإِنَّ الْوَلَدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْدُوعًا فِي الْأُمِّ، كَالدُّرَّةِ فِي الْحُقَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَأَجْزَائِهَا، وَفِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ، الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الظَّرْفِ، وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْجُمْلَةِ اسْتِيلَاءٌ عَلَى الْجُزْءِ الْمَطْرُوقِ، فَإِنْ أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا، لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ، وَلَكِنْ يَجِبُ مَا نَقَصَتْ الْأُمُّ عَنْ كَوْنِهَا حَامِلًا، وَأَمَّا إذَا حَدَثَ الْحَمْلُ، فَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَوْجُودِ مِنْ الْمَغْصُوبِ وَقِيمَةُ التَّالِفِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ التَّالِفِ لَا تَخْتَلِفُ مِنْ حِينِ الْغَصْبِ إلَى حِينِ الرَّدِّ، رَدَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَخْتَلِفُ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا لِمَعْنًى فِيهِ، مِنْ كِبَرٍ وَصِغَرٍ، وَسِمَنٍ وَهُزَالٍ وَتَعَلُّمٍ وَنِسْيَانٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تَزِيدُ بِهَا الْقِيمَةُ وَتَنْقُصُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute