فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً، فَوَقَعَتْ فِي تَمْرٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ وَاحِدَةً، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ أَكَلَ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، ثُمَّ بَاعَهُ، أَوْ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ، حَنِثَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ غَيْرِهَا]
(٨٠٩٨) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ، فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ غَيْرِهَا، حَنِثَ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، وَغَزْلِ غَيْرِهَا، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا يَحْنَثُ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسُ ثَوْبًا كَامِلًا مِنْ غَزْلِهَا. وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا نَسَجَهُ زَيْدٌ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْ قِدْرٍ طَبَخَهَا، وَلَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا خَاطَهُ زَيْدٌ.
فَلَبِسَ ثَوْبًا نَسَجَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ أَوْ خَاطَاهُ، أَوْ أَكَلَ مِنْ قِدْرٍ طَبَخَاهَا، أَوْ دَخَلَ دَارًا اشْتَرَيَاهَا، فَفِي هَذَا كُلِّهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالْقَوْلِ مِثْلَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ مَا خَاطَهُ زَيْدٌ، حَنِثَ بِلُبْسِ ثَوْبٍ خَاطَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَبِسَ مِمَّا خَاطَهُ زَيْدٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: ثَوْبًا خَاطَهُ زَيْدٌ. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا لِزَيْدٍ، فَدَخَلَ دَارًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ، خَرَجَ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالْخِلَافُ فِيهَا عَلَى مَا مَضَى.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ لَا يَزُورهُمَا أَوْ لَا يُكَلِّمهُمَا فَزَارَ أَوْ كَلَّمَ أَحَدَهُمَا]
(٨٠٩٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَزُورهُمَا، أَوْ لَا يُكَلِّمهُمَا، فَزَارَ أَوْ كَلَّمَ أَحَدَهُمَا، حَنِثَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَلَّا يَجْتَمِعَ فِعْلُهُ بِهِمَا) يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا، فَفَعَلَ بَعْضَهُ، فَإِنَّ هَذَا حَالِفٌ عَلَى كَلَامِ شَخْصَيْنِ وَزِيَارَتِهِمَا، فَتَكْلِيمُهُ أَحَدَهُمَا وَزِيَارَتُهُ فِعْلٌ لِبَعْضِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تَقْدِيرُ يَمِينِهِ: لَا كَلَّمْت هَذَا، وَلَا كَلَّمْت هَذَا. لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ يُقَدَّرُ لَهُ بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ فِعْلٌ وَعَامِلٌ، مِثْلَ الْعَامِلِ الَّذِي قَبْلَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] . أَيْ: وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ بَنَاتُكُمْ.
فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْلُوفًا عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا، فَيَحْنَثُ بِهِ، فَإِنْ قَصَدَ أَلَّا يَجْتَمِعَ فِعْلُهُ بِهِمَا، لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِيَمِينِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِ، وَإِنْ قَصَدَ تَرْكَ كَلَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، حَنِثَ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَلَا عَمْرًا. حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بِغَيْرِ إشْكَالٍ؛ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي تَرْكَ كَلَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا} [الفرقان: ٣] . أَيْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
[فَصْل قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَعُمْرًا]
(٨١٠٠) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا. أَوْ: عَبْدِي حُرٌّ، إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَعُمْرًا. لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute