وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَأْخُذُ أَجْرَ عِمَالَتِهِ، فَإِذَا أَخْرَجَ الرَّجُلُ زَكَاةَ نَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَامِلٌ عَلَيْهَا، وَلَا مَنْ يَسْتَحِقُّ أَجْرًا، فَيَسْقُطُ سَهْمُهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ جَوَائِزُ السُّلْطَانِ]
(٥١٣٢) فَصْلٌ: فِي جَوَائِزِ السُّلْطَانِ، كَانَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَتَوَرَّعُ عَنْهَا، وَيَمْنَعُ بَنِيهِ وَعَمَّهُ مِنْ أَخْذِهَا، وَهَجَرَهُمْ حِينَ قَبِلُوهَا، وَسَدَّ الْأَبْوَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حِينَ أَخَذُوهَا، وَلَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ مِنْ بُيُوتِهِمْ شَيْئًا، وَلَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ يُصْنَعُ عِنْدَهُمْ. وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ بِمَا أَخَذُوهُ. وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ، لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ تَخْتَلِطُ بِمَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْحَرَامِ مِنْ الظُّلْمِ وَغَيْرِهِ، فَيَصِيرُ شُبْهَةً، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَاقَعَ الشُّبُهَاتِ أَوْشَكَ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاتِعِ حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» .
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنْ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ تَنَزَّهُوا عَنْ مَالِ السُّلْطَانِ؛ مِنْهُمْ حُذَيْفَةُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ. وَلَمْ يَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ذَلِكَ حَرَامًا؛ فَإِنَّهُ سُئِلَ، فَقِيلَ لَهُ: مَالُ السُّلْطَانِ حَرَامٌ؟ فَقَالَ: لَا، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُتَنَزَّهَ عَنْهُ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا وَلَهُ فِي هَذِهِ الدَّرَاهِمِ حَقٌّ، فَكَيْفَ أَقُولُ إنَّهَا سُحْتٌ؟ وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، يَقْبَلُونَ جَوَائِزَ مُعَاوِيَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِجَوَائِزِ السُّلْطَانِ، مَا يُعْطِيكُمْ مِنْ الْحَلَالِ أَكْثَرُ مِمَّا يُعْطِيكُمْ مِنْ الْحَرَامِ وَقَالَ: لَا تَسْأَلْ السُّلْطَانَ شَيْئًا، فَإِنْ أَعْطَاكَ فَخُذْ؛ فَإِنَّ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْحَلَالِ أَكْثَرُ مِمَّا فِيهِ مِنْ الْحَرَامِ.
وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ الْبُحْتُرِيُّ " فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ " أَنَّ الْحَسَنَ، وَابْنَ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيَّ، دَخَلُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ فَأَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَلِفِ دِرْهَمٍ، وَأَمَرَ لِلْحَسَنِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، فَقَبَضَ الْحَسَنُ جَائِزَتَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute